1- إذا كانت السينما العالمية فنّاً شعبياً، فإنّها تغدو في المغرب مُجرّد حظوة إجتماعية، يستفيد من خيراتها أمثال {عبسرام مول الطباشير}. ( عبد السلام بوطيب صاحب متجر مهرجان السينما للذاكرة المشتركة ) الأكثر من ذلك، لا يُدعى سينمائيون مُخضرمون، فالدعوات محكومة بمنطلقات سياسية، أكثر من كونها سينمائية ونقدية ومعرفية بحيث تعيش المهرجانات السينمائية المغربيّة، تناقضاً قويّاً، رغم إنتعاشٍ لا مثيل له عبر إقتصار لجان التحكيم على أعضاء المهرجان وعائلاتهم والخليلات والأمهات العازبات بحجّة التخصّص والنقد والمعرفة ، فاللجوء إلى هذه الفيلموغرافيا القديمة، لا علاقة له بأهميّة الفيلم، وبما تُضمره إشتغالاته من قيمٍ فنية وجمالية، بقدر ما هو عامل يُغذّي برامج المهرجانات، ليكون الدافعُ إلى تنظيم مهرجانٍ ما قويّاً، يستند إلى أدبيّات الإسترزاق الفني الممزوج بالنبيذ لصاحب الإنفراد بوطيب” لا شيء تغيّر للمشروع القاتم نفسه،.شعار المتبخر لنعيد إنارة النجوم يقصد ” عبسرام بوقيذون إنارة مصباح رصيده المالي بعد إنذار الشعلة الحمراء مستشعر حزقته المادية والرؤية نفسها القائمة على ثقافة التهريج والتنميط والسكر الطافح، الذي يطبع جميع الدوراته المُنصرمة لمهرجانات المرتزقة التي تقسم الكعكة ، بتقديم رؤسائها لبرامجها الكارتونية أمام لجنة بالمركز السينمائي مؤلّفة من فئة تفهم لغة (عطيني نعطيك..ونتلاقو آلهيه )والمُلاحَظ أنْ لا أحد يستفيد من هذا المهرجان، إنْ كانوا صحافيين أو نقاداً أو مخرجين،شرفاء إذْ لا تتمّ دعوتهم، إلى درجة أنّ المهرجان نفسه بدا، في دوراته الأخيرة، كأنّه ملتقى الإلتهام الذاتي للجعة فقط ما جعل محبّون كثيرون للسينما يتساءلون عن جدواه في خدمة الثقافة السينمائية، بعيداً عن التهريج البصريّ، والبذخ والأضواء، إلى جانب بهتان التغطيات المنقولة في منابر وجرائد “صحافة الروز” الغريب في الأمر، أنّه بمُجرّد إنتهاء المهرجان، لا يُسمَع شيءٌ عن مديره وإدارته وطاقمه، إلا بعد مرور سنة، مع تقديم طلب دعم جديد إلى” المركز السينمائي تحضيراً لشوهة جديدة، من دون رقابة إدارية من المركز المتواطئ، ولا مراجعة سينمائية من الأقلام المأخورة والنقاد، فتُمنح عشرات ملايين الدراهم لمهرجان ينظِّم في بيوت مُعتمة وقاعات مُغلقة.بدون جمهور
2- تحايلٌ سينمائي يُمرَّر قانونياً، من دون تحذير من المُشارِكَين في اللعبة المهزلة، وفي مرّات كثيرة يُصبح الناقد السينمائي، رغم حضوره، كأنْ لا علاقة له بما يحدث في المهرجان. لجان مؤلّفة من عاملين في مجالات أخرى خارج السينما، والواقع المغربي لا يشهد لهم بأي عشق سينيفيلي، أو مقالة نقدية، أو تفكير سينمائي. مع ذلك، يترأسون لجان التحكيم، ويحضرون دائماً في مهرجانات، وجعلت رؤساءها يُسرّعون لتنظيم مهرجان في الوقت الميت، كي تستفيد الجهة المُنظِّمة من الدعم المالي،
3- أمام تراكم الديون للمحتال عبسرام ونيّة التنظيم سيئة، والأفق السينمائيّ مُجرّد خراب مُتدثّر بتاريخ نوستالجي، لم يعُد سوى تكرار مملّ لتراكمات مهنةٍ، تعيش إنهياراً أخلاقياً وروحياً. السينمائي الجادّ غير مدعوم، فيصرخ، لكنْ لا أحد يلتفت إليه، حتّى لو إنتحر. يضطرّ إلى موافقة لجنة الدعم على حذف مَشاهد سياسية وعلى تغيير خطّ الفيلم وتهدئة خطابه الناقد أو الساخر من إجتماع ونفوس وعقليات وسُلطات. بعض آخر (قلائل) لا يتنازل عن مسار حكايته، ومدى تشابكها وتلاقيها مع أنظمة قاهرة، وسلطات قمعيّة، ومُعتقدات بائدة ومُتجذّرة في الإجتماع المغربي، وهذا البعض مرفوض عادةً من الجميع.
4- الدعم السينمائيّ في المغرب وسيلة للإغتناء كحال «بوقيذون -ن- سيني»، بل وظيفة مَنْ لا وظيفة له كأذياله الكثر. جمعية مُفبركة تُدير مهرجان شبه سينمائي من دون مقرّات عمل، تجمع فرقاً سينمائية غير مُحترفة، تتطلّع إلى تجديد الحدث ، كلّ هذا في مقابل أنشطة فارغة من الفن والجمال. الجميع موجودون إلا السينما، التي تظلّ غائبة عن جمهور الناظور والمنطقة، لم يعُد هو الآخر يُراهن على السينما كأفق ثقافيّ، أو خلاص نفسيّ يُحرّره من يوميّات القهر والخراب في عشه الإسماعيلي. وإذا لم تكُن السينما فنّاً شعبيّاً للناس جميعاً، يصنع أفراحهم ويُفرّج كربهم ومآزقهم، فلماذا تلجأ الدولة إلى هذه المهرجانات، التي يكون موعد تنظيمها مُجرّد ألم مُضاعف للساكنة مثال الناظور المكتوية بلهيب ولسعات Ficmec وتذكير مُسبق بفئة سياسية إجتماعية، تُحاول سحق الطبقة الفقيرة والمتوسّطة، وبجعلها بعيدة عن السينما ومُتخيّلها الإبداعي؟
5- هكذا يضطرّ ” عبسرام -نغ “إلى التسول بحثاً عن جهات ومُؤسّسات لها إمكانيّة الدعم. والمُثير للدهشة أنّ غالبية ، المرتزقة تتهافت على بوفيهات الإفتتاح ، وإنْ كانت مُرتبكة أحياناً، ما يجعلها خاضعة لسُلطة، المتدحرج ولنظرته اللا-فنية رغم ويلات وتخبّطات ومآزق وتصدّعات ألمّت بالمملكة بسبب كورونا وتداعياتها الإقتصادية و الإجتماعية، لم يتغيّر شيء العقلية نفسها لا تزال تحكم البلاد، وناسه ومؤسّساته ومثقّفيه.، يُخرج المُجتمع من جموده وتكلّسه، ويجعله في قلب الحياة السينمائية المعاصرة، بما تشهده من تغيّرات وتحوّلات،مع ذلك، كلّما حلّ موعد “المهرجان”، تحصل(الجهة المنظّمة) على الغنيمة صحيحٌ أنّ مهرجاناتٍ كثيرة ماعدا : ذاكرة مول الخيمة المثقوبة تؤدي دوراً كبيراً في التعريف بأفلام، تُعنى بدراسات أنثروبولوجية عن التاريخ.. لكنّ المُشكلة كامنة في أنْ لا وجود لمُنجز فيلموغرافي يستحقّ الإشادة والنقد. فمعظم الأفلام المتوجة تُحرّكها رغبة مُنفعلة ينبغي أنْ تتوافر فيها مفاهيم فكريّة وشروطاً فنية وجمالية،
6- تفتقر الجهة المسؤولة عن دعم الأنشطة السينمائية على فهم خصوصيات المرحلة وإستيعابها، وتُعيد إحياء مهرجانات هامشيّة، أُجهضت مشاريعها السينمائية أمام خيبات الدعم ونخبويّته وفإنتازيته. فبدلاً من إعادة الإعتبار إلى مهرجانات سينمائية صغيرة، يتمّ تغريبها وتهميشها وإحباطها بفُتات من الدعم، يضغط فقط على الجُرح، ويزيد الخذلان والألم والمعاناة والفراغ النفسي، في مناطق يباب من الإجتماع المغربي.المُثير للدهشة أنّ معظم رؤساء هذه المهرجانات الهامشيّة نقّاد وعاملون في الصناعة السينمائية، وبعضهم من خيرة السينفيليين الذين أسّسوا مسار السينما المغربيّة ووعيها في سبعينيات القرن الـ 20، عبر أندية السينما وقوافلها، وقدّموا إمكانات هائلة لتجذير الثقافة البصريّة، من خلال مقالات ودراسات وترجمات ومُؤلّفات ولقاءات وندوات. أفلا تستحق هذه الأسماء إعادة الإعتبار إليها، وإلى مكانتها في السينما المغربيّة، بعد أعوامٍ طويلة من قهر سياسيّ وفراغ نفسيّ في مدنٍ صغيرة، باتت أشبه بقبور تبدو فيها حيوات الناس ويوميّاتهم كأنّها فُسحة أو إستراحة، إستعداداً لموت وشيك؟…..يتبع
02/01/2023