لم يكن تيم كوران يدرك أن نتائج تحليل الحمض النووي، الذي أجراه، سيقوده إلى رحلة شملت ثلاث قارات حيث عاش تفاصيل رحلة أخرى جانبية ملؤها اكتشافات إنسانية لم تكن أبدا في الحسبان.
انطلقت رحلة تيم كوران بحثا عن عائلته البيولوجية من مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، وتوقفت في فرنسا قبل أن تنتهي في المغرب حيث سيكتشف حقيقة أبويه البيولوجيين.
كان كوران دائم البحث عن عائلته البيولوجية، ولكن المسطرة الإدارية المعقدة منعته من المواصلة طيلة فترة عيشه في كنف أسرة تبنته سنة 1961 عند ولادته في ولاية كاليفورنيا..
وبفضل اختبار الحمض النووي والخدمات التي يوفرها الإنترنت، فإن الأمور تغيرت لدى كوران الذي قرر هذه المرة إجراء هذا الاختبار وانتظار النتائج بفارغ الصبر.
نتائج ستقلب أوراق حياة كوران في مرحلة لاحقة، فبعد اعتقاده طوال حياته أنه أمريكي أبيض ولد في ولاية آيوا، سيكتشف أن والده البيولوجي ينحدر من شمال إفريقيا وأنه مولود منتصف الثلاثينيات في مدينة الدار البيضاء، وهاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1959، وانتهى به الأمر في سان فرانسيسكو.
أما والدة كوران، حسب السجلات الرسمية، فنشأت في سان دييغو وانتقلت بدورها إلى سان فرانسيسكو بعد مرحلة الدراسة الثانوية مباشرة. وهنا، كان لا بد لكوران أن يعرف إجابات لتساؤلات تتعلق بدواعي مغادرة والده للمغرب، وسبب قدوم والدته إلى سان فرانسيسكو.
باريس.. أول محطة في رحلة البحث
حضر تيم كوران نفسه للقاء أفراد أسرته البيولوجيين الذين لم يكن لديهم أية فكرة عن وجوده، وقام بكتابة نصوص لما سيقوله لهم حين لقائه بهم.
تخيل كوران الأفضل والأسوأ في هذا اللقاء، وعلم من خلال تواصله المسبق مع أقاربه بوفاة والديه البيولوجيين، وهو ما أصابه بخيبة أمل شديد ممزوجة بسعادة غامرة، لأن جميع أشقائهم ما زالوا على قيد الحياة.
مكنت لقاءات كوران بأقاربه من جمع خيوط قصة والديه البيولوجيين، إذ علم أنهما عانيا من سلطة أبوين صعبين، لهذا غادرا البيت في أول فرصة قبل أن ينتهي بهما المطاف في واحدة من أكثر الأماكن حرية التفكير على وجه الأرض: سان فرانسيسكو.
علم كوران أن والده البيولوجي كان يعمل في تركيب الأرضيات في حي الشاطئ الشمالي بمدينة الدار البيضاء، حيث كانت والدته البيولوجية تشتغل نادلة وراقصة.
يقول “كان والدي يعيش مع صديقة، وتقول أخت أمي إنها لم تسمع أبدا والدتي تناقش والدي بأي شكل من الأشكال. بخلاف الأخت ووالدتها، لم يتم إخبار أي شخص آخر في عائلتها بأنها حامل. وتقول عائلة والدي إنهم متأكدون بنسبة 100 في المئة أنه لم يتم إخباره قط”.
كانت هناك مفاجآت كبيرة أخرى اكتشفها كوران في رحلته، حين علم أن لديه أخا غير شقيق وأختا وعشرات من أبناء عمومته في فرنسا والمغرب، حيث سيعيش تفاصيل تجربة غريبة وساحرة.
حزم حقائبه واتجه نحو منطقة دار بوعزة الساحلية نواحي مدينة الدار البيضاء، حيث قضى الأيام الستة الأولى وحيث تمتلك عائلته المغربية الكبيرة مجموعة من المنازل الصيفية المجاورة للشاطئ.
ورغم فجوة اللغة بين كوران وعائلته، بحكم أن أغلب أقاربه يتحدثون اللغة الفرنسية، فقد تعرف عليهم جميعا لأنه قضى بينهم حوالي الأسبوع، وتذوق خلاله وجبات مغربية لذيذة وأصيلة.
رغب كوران في رؤية المزيد من موطن والده البيولوجي، لذا سافر إلى فاس ومراكش اللتين اعتبرهما مدينتين جميلتين ومذهلتين، وتحملان جانبا من الغربة والألفة في الآن ذاته.
يقول كوران “رأيت الأشياء التي ربما رآها والدي وهو يتجول في الأسواق.. رأيت مساجد رائعة وأضواء جانبية غير متوقعة مثل أكبر معبد يهودي في مراكش وكنيسة لازاما. شاهدت الحرفيين في العمل، وهم يصنعون الفخار والسلع الجلدية والنسيج تماما كما كان يفعل منذ قرون”.
كان أبرز ما في الجولة رحلة جانبية إلى الآثار الرومانية القديمة في وليلي، وجولة بجبال الأطلس الكبير لقضاء فترة ما بعد الظهيرة مع عائلة محلية من المنطقة.
رحلة تحاليل الحمض النووي التي قام بها كوران، قادته إلى نتائج غير متوقعة لأن الجزء الأفضل الذي تعلمه منها هو أن عائلته الجديدة تشبهه، لكنها في الوقت نفسه مختلفة عنه.. رحلة بحث عن الأصول البيولوجية انطلقت من الولايات المتحدة صوب العاصمة الفرنسية ثم المغرب، أفضت إلى نتائج غير متوقعة من صاحبها وقادته إلى عوالم أخرى لم يكن يعتقد أنه سيلجها في يوم من الأيام.
وكالات :
04/01/2023