تتغير المعطيات والسياقات السياسية في منطقة المغرب العربي خاصة، والمتوسطية عامة، إلا أن الثابت هو ما يحاول النظام الجزائري فرضه ورسمه في ملف التحالفات التي تخدم ما يقوله رئيسها عبدالمحيد تبون أن الصحراء قضية مبدأ بالنسبة للدولة الجزائرية، وفي ثنايا ذلك محاولات حثيثة لاستقطاب القرار الرسمي والفاعل السياسي في موريتانيا وتونس الغارقة في أزمة اقتصادية، التي دفعها الهون والعوز، إلى استقبال مساعدات من ليبيا، البلد المثقل بالحرب الأهلية والتطاحنات السياسية.
ويبحث النظام الجزائري توريط موريتانيا في ملف الصحراء المغربية، لا سيما عند حديث عبدالمجيد تبون أن الصحراء لن تتخل عنها الجزائر، مشيرا في سياق كلامه أن الأمر يتعلق بـ”الحق في تقرير المصير”، حيث سيصوت الصحراويين على ما إذا كانوا يريدون أن يكونوا “مغاربة أو موريتانيين”، مع التأكيد على أنهم “لن يكونوا جزائريين”، قبل أن يضيف “القرن التاسع عشر طويناه، تطوى خلاص، باستقلال الجزائر كل ما كان متبقيا من القرن التاسع عشر طوي نهائيا”.
المحاولات الجزائرية في اللعب السياسي في الداخل الموريتاني لخدمة أطروحة الانفصال لجبهة البوليساريو، دفع سفارتها في نواكشط إلى اتهام أوساط إعلامية موريتانية باستخدام معلومات مغلوطة للضرب في العلاقات الجزائرية-الموريتانية”، واصفة أن هاته الشبكات تعمل لصالح جهة معادية للجزائر، في إشارة إلى أنها تعمل لصالح الموقف المغربي.
ورغم أن موريتانيا معروفة بموقفها في ملف الصحراء المغربية، إلا سعي النظام الجزائري يروم استخلاص مموقف أكثر تشدد ووضوح، وهو ما لا يراه صانع القرار في نواكشط يخدم مصلحة البلد الواقع في تماس مع المغرب ومرتبط بالمملكة بعلاقات سياسية واقتصادية عميقة تتجاوز معوقات السياسية، دليل الكلام استقبال وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، محمد سالم ولد مرزوك، الجمعة الماضي، السفير المغربي حميد شبار، والسفير الجزائري محمد بن عتو.
بيان الخارجية الموريتانية، قال إن الاجتماعين تناولا “علاقات التعاون” و”سبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة” إضافة “إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك”، وذلك في إشارة إلى ما تحاول موريتانيا نسجه للحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب، من جهة والجزائر من جهة ثانية.
المال الجزائري والقرار التونسي
في وقت تشهد فيه تونس أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، بينما تغيب في الأفق أي بوادر لحل المشكلة الأكثر تعقيداً بتاريخ البلاد، يرهن الرئيس قيس سعيد المواقف الرسمية للبلاد إلى الخارج، خاصة إلى حليفته الجزائر، التي دفعت سعيد مستغلة ضعف الاقتصاد التونسي إلى تبني مواقف سياسية تتماشى والتوجهات الرسمية للنظام الجزائري وليست بالضرورة تخدم مصلحة تونس خاصة في علاقتها بمحيطها الإقليمي.
ورغم أن عبد المجيد تبون أكد في مناسبات متعددة أن بلاده “لن تتدخل في الشؤون الداخلية لتونس”، وهي مسألة جد حساسة، بالنسبة للقوى الحية في تونس المتخوفة من كل سياسة قد تحشرهم ضمن الاستراتيجية الجزائرية، وآخر تجلياتها هو غياب ممثلي تونس والجزائري فقط عن اجتماع وزراء الخارجية العرب وممثليهم في الاجتماع الذي ترأسته ليبيا ووزيرة خارجيتها نجلاء المنقوش، على اعتبار أن الجزائر لها مواقف سلبية من حكومة الوحدة الوطنية التي أفرزتها سيرورة المفاوضات التي جرت بالصخيرات.
تبون حاول في مناسبات متعددة بعث رسالة طمأنة إلى الفاعلين التونسيين من خلال التأكيد على أن الجزائر لا تنوي الهيمنة على تونس والعمل على إخضاعها، لكن هذه الطمأنة تحولت إلى فعل ملموس وموثق شهر غشت الماضي، عندما قرر الرئيس سعيد استقبال لزعيم البوليساريو خلال القمة اليابانية الأفريقية، وذلك بطلب وضغط من الجزائر، وهو الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات التونسية المغربية.
لكن تونس البلد المنهك اقتصادية، يبدو معه استحالة الجزائر مواصلة دعمه ماديا، وهو ما أكد في خرجة إعلامية سابقة بأن على التونسيين وفي مقدمتهم السلطة عليها أن تتحمل المسؤولية، وأن تبحث عن الحلول، ثم يأتي في درجة ثانية طلب المساعدة عند الحاجة.
كواليس الريف : متابعة
23/01/2023