من حق رئيس مهرجان الذاكرة المشتركة بالناضور أن يثني على ما انجزه… من حقه ان يكتب ما يشاء مادحا… ونافخا… منافحا عن مشروعه…
ففي الاول والأخير هو من دافع… واشتغل… وكافح من اجل ان يحصل على الأموال كي يستمر المهرجان… وفق التصور الذي يراه… وبالطريقة التي يريد…
لكن من حقنا ايضا ان نكتب ما لاحظناه ونلاحظه… كان يمكن السكوت عن الكثير من ما يقع… ولكنك حين تقرأ ما يكتبه رئيس المهرجان عن مهرجانه… وتقف امام ذلك السيل الجارف من التدوينات الغارقة في التعويم والعاطفة… في إطار خطة هجوم tapage لتغطية ندوب كثيرة… تقول اللهم إن هذا منكر!…
قبل البدء وقبل كل شيء لابد لي أن أشكر صديقي عبد السلام بوطيب عن مليون اعتذاره… واقول له بأن المشكل ليس هنا… وإن قبلتُ المليون اعتذار، وقد قبلتُهم منك جميعا كصديق، لكن ذلك لا يحل المشاكل الكثيرة المعلقة بتلابيب المهرجان مثل “إژرا ن وثمون” (أحجار معلقة على كومة تبن)
وهنا سأخاطب السيد الرئيس … رئيس المهرجان طبعا…
سيدي الرئيس، المشكل ليس في حضوري … حضرتُ أنا أم لا، لم يكن يوما ولن يكون أبداً مشكلة …
المشكلة سيدي الرئيس في أن مهرجانك قد أشرف على سنته 13 ومع ذلك لم تتمكنوا من إقناع المشاهدين للقدوم إلى متابعة الأفلام التي تعرضونها … ومعنى هذا أنكم عجزتم عن كسب أصدقاء للسينما وللمهرجان في المدينة … فظلت القاعة فارغة مدة 13 سنة… إلا من لجان التحكيم…
المشكلة هو أنه حين يتم عرض فيلم ريفي تمتلئ القاعة عن آخرها رغم أن صانعي تلك الأفلام اعتادوا أن لا يحصلوا على شرف حضور مهرجانكم …
المشكلة أن يحضر مهرجانكم أكثر من 50 مدعو إسباني وأكثر من 20 مدعو من مختلف جهات المملكة ولا يحضر سوى شخصين أو ثلاثة من الحسيمة والدريوش … وبضع أشخاص من المدينة محتضنة نشاطكم …
المشكلة هو أن تأتي ممثلة للفندق في صباح باكرٍ وتستجدي دعوة لحضور حفل الافتتاح فتعود خاوية الوفاض مكسورة الخاطر …
المشكلة هو أنه بسبب تهافت من هب ودب لحضور افتتاح واختتام المهرجان وتوزيع الدعوات من تحتِها مع تغييب المعنيين بالأمر الحقيقيين… لم يتمكن من الحضور سوى 7 اشخاص ما بين ممثل وممثلة من أبناء المنطقة…
المشكلة هو أن يتم استدعاء ممثلة لكي يتم تكريمها في الحفل الافتتاحي ويتم ذلك فعلا، لكنه بعد ذلك تجد نفسها محرجة حين يُطلبُ منها، في نهاية المهرجان، تنشيط الحفل الاختتامي!… وكانه لم يكن هناك اعداد مسبق!…
المشكلة هو ان تكون هناك ثلاث لجان للتحكيم ولا يوجد ضمنها سوى شخص واحد وهو من أبناء الريف في المهجر…
المشكلة هو ان يتم استدعاء عدة أشخاص من مختلف مناطق المغرب والعالم كي يحضروا وينشطوا نقاشات منتصف الليل… في حين يغيب السينمائيون المحليون وكأن المدينة لا يوجد فيها اي سينمائي…
المشكلة هو أن يتم كل هذا التطبيل بالمهرجان وفي الواقع تكتشف انه يغيب عنه ما هو اهم: أوراش لتعليم التقنيات السينمائية لشباب المنطقة…
المشكلة هو أنكم استمعتم مرارا لهذه الملاحظات… وكل مرة تعدون بتجاوزها… ولكنكم فعلا تتجاوزونها بالسكوت عنها وتخطيها…
المشكلة هو ان يُعلنَ استضافة الصين الشعبية في بهرجة ودربكة ولا نجد أثرا لهذا الصين في دهاليز المهرجان… سوى فيلم يتيم…
المشكلة ان يصرح الرئيس منتشيا: “بالنسبة لي كل من شاركوا في المهرجان فازوا، فازوا بمعرفة المدينة (الناظور)…” ياله من تعويم!… وكأن المهرجان مهرجان للسياحة وليس لشيء آخر… وفعلا هو كذلك… لأنه لا يترك أثرا سوى لدى زائريه… اما الساكنة والسينمائيين المحليين فلا يهم أمرهم… مارتشيكا قريبة فليشربوا من مائها…
المشكلة هو أن يضيف الرئيس في تصريحه سنشتغل في الدورة 13:”على دورة حول ‘ذاكرة السماء والأرض’ تكريماً للذين يشتغلون من أجل عدالة مناخية”… كالعادة هي عناوين كبيرة وثقيلة تسيل اللعاب ببريقها… توضع على كاهل مهرجان لا يستحمل حتى السينمائين أبناء المنطقة التي ينظم فيها!…
المشكلة انكم تنادون بضرورة إنشاء لوبي ريفي لكنكم سرعان ما تسارعون لتمارسوا في نفس الآن سياسة الإقصاء في حق هؤلاء الريفيين أنفسهم…
المشكلة كذلك أنكم حين تخاطبون الإعلام تعبرون عن رغبتكم في منافسة مهرجان مراكش وطنجة ولكنكم حينما تخاطبون الفاعلين المحليين تتفننون في استعمال أسلوب ” ما عندناش غير سلكو معنا “…
مشاكل كثيرة هي إذا… قد أظل أسرد فيها إلى ما لا نهاية…
مشاكل تحتاج لكثير من الصدق والشجاعة… تحتاج للجلوس اليها من اجل تخطيها هنا فوق الأرض أولا قبل التفكير في الصعود إلى السماء…
نعم سيدي الرئيس لقد كرّمتم الممثلة نوميديا، الممثل رشيد أمعطوك و”الدكتور ” محمد بولعيون … شكرا لكم على كل حال… ولكن يبقى ذلك، في ظل كل ما سبق، حق أُريد به باطل… قلتُها وها أنا أعيد قولها …
صدقني لقد شاركتُ في مهرجانين قريبين زمنيا وجغرافيا وربما بميزانية اقل وهما المهرجان الدولي المغاربي للفيلم بوجدة والمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة… اسمح لي أن أقول بكل تجرد أنني لمست فيهما حسن الاستقبال والتعامل وشعرتُ بجو سينمائي حقيقي… رغم بعض المؤاخذات البسيطة… في حين أن مهرجان الذاكرة يشتكي كثيرون من غياب حسن التعامل… وفقراته تجعلك تتيه بين دهاليزه المشتتة بين ما هو سينمائي… وما هو سياسة خارجية… وبين ما هو حقوقي… فتتعدد بذلك وجوه وخلفيات الحاضرين بتعدد هذه الدهاليز… وتفقد البوصلة ومعها تفقد الشعور بوجود هوية ما لهذا المهرجان…
المشكلة هو أنكم تفتخرون بردود الأفعال الإجابية التي يصدرها الآخرون الذين جاءوا ليكتشفوا المدينة وينعموا بجوها وبطبيعتها، ومنهم من يعود كل سنة منذ سنوات… وهو امر طبيعي جدا ان يمدحوا ويصدحوا، لكنكم تتجاهلون ما يشعر به أبناء المنطقة من تهميش وإقصاء من مختلف فقرات المهرجان… انكم بهذا التصرف تبينون أن ما يهمكم هو مديح الآخرين مهما اتسم بالمحاباة وليس ملاحظات أهل الدار مهما كانت صائبة وأحيانا قاسية …
المشكلة بالنسبة لنا… هو أننا نعرف بأنه ليس من حقنا ان نحاسبكم ونحن هنا قاعدون في المدينة طيلة العام ننظر لبعضنا البعض تائهين… ننتظر الذي قد يأتي ولا يأتي… مثل مهرجانكم مثلاً… لذلك اعترف لكم بأننا مجرد كسالى ومعامل لاجترار الكلام.
ولكن صدقوني كل ما قلته فوقه، أقوله بكل تجرد وبغيرة حد السذاجة… بل ويقوله كثيرون هنا وهناك… لانها فعلا حقائق… لكنهم لا يصرحون بذلك لسبب او لآخر…. بل وهناك من ينافقكم بمنتهى الصدق… فعذرا على هذه الصراحة القاسية لكنها صادقة…
المشكلة كل المشكلة، أولا وأخيرا، فينا نحن … والسلام …
هذا آخر شيء سأكتبه من الآن فصاعدا حول مهرجانكم فاعذروني مرة أخيرة …
حتى لا تتحول المهرجانات السينمائية الى مجرد سينما …
النهاية .
كتب : محمد بوزكو منتج ومخرج سينمائي
19/12/2023