في ظل الاضطرابات التي شهدتها المدارس العمومية ومعضلات التعاقد التي ألقت بظلالها على النظام التعليمي، تبرز مسألة التعاقدات التعليمية كجرح ينخر في جسد الدولة والمجتمع دون أن يجد طريقًا نحو الشفاء. الفوضى التي سادت خلال السنوات الماضية، بين إضرابات وتوقفات ومحاولات للترقيع، تلقي بظلالها على الأسس التي يجب أن تقوم عليها العملية التعليمية، وعلى رأسها الدستور كثابت جامع يحكم عملية التعاقد السياسي.
من جهة أخرى، تستمر الحكومة في محاولاتها لإصلاح هذه الوضعية من خلال إصدار تعديلات قانونية جديدة تستهدف تحسين وضعية الأساتذة المتعاقدين سابقًا، إلا أن هذه التعديلات تبقى في نظر البعض مجرد رقع تفتقر إلى الشمولية والفعالية المطلوبة. التعديلات الأخيرة التي تم نشرها في الجريدة الرسمية تهدف إلى دمج الأساتذة المتعاقدين في نظام المعاشات المدنية كباقي موظفي الدولة، محاولةً بذلك رفع اللبس حول وضعيتهم.
تترك هذه الإجراءات جانبًا التأثيرات العميقة والخسائر الفادحة التي نتجت عن مساسها بجوهر الوثيقة الدستورية، خاصةً فيما يتعلق بالفصل بين السلطات وتمكين الإرادة الشعبية. يتجلى هذا التأثير في تجاوز الحكومة لصلاحياتها من خلال تشريع القوانين بمراسيم، بما يخالف المبادئ الأساسية للدستور ويعرقل مسار التشريع البرلماني.
في تطور لافت، قامت الحكومة بإلغاء مرسوم بقانون قد أقرته سابقًا ووافقت عليه اللجان المختصة في مجلسي البرلمان، في سابقة تاريخية تنم عن مدى التعقيدات القانونية والدستورية التي يمكن أن تنشأ في مثل هذه الحالات. هذا الإجراء يعكس الصعوبات التي تواجهها الحكومة في التعامل مع ملف التعاقدات التعليمية والتحديات الدستورية المرتبطة به.
أخيرًا، تأتي هذه الأزمة لتسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى نهج شامل يتجاوز المعالجات السطحية والمؤقتة للقضايا الهيكلية في النظام التعليمي. الجدل القائم حول التعديلات القانونية والترقيعات المتتالية يؤكد على أهمية إيجاد حلول جذرية تحترم مبادئ الدستور وتعزز الثقة بين جميع الأطراف المعنية، من أجل تحقيق نظام تعليمي عادل ومستدام.
13/02/2024