في ظل الأحداث الأخيرة، تعالت الأصوات متسائلة عن مصير توصيات هيئة مراجعة مدونة الأسرة التي أصبحت موضوع جدل بعد تسريبات مفترضة. تلك التسريبات، التي لم يعقبها أي توضيح رسمي، ألقت بظلال من الشك حول مصداقية وجدية العملية برمتها. الغموض يحيط بالمسؤولية عن هذه التسريبات ويثير تساؤلات حول النوايا والأهداف من وراء استخدام مثل هذه الممارسات في التعاطي مع قضية بالغة الأهمية تتعلق بالأسرة والمرأة في المغرب.
إن النقاش الدائر حول مدونة الأسرة لا يقتصر على الجوانب القانونية والإدارية فحسب، بل يمتد ليشمل تأثيره على مستقبل النسيج الاجتماعي والاقتصادي في المغرب. البعد الأخلاقي والقيمي لهذا النقاش يعزز من ضرورة النظر فيه بموضوعية وعلمية، بعيداً عن أي توظيفات أيديولوجية أو مصلحية قد تشوه صورته وتبعده عن أهدافه النبيلة التي تتمحور حول تعزيز دور المرأة وحقوقها في المجتمع.
لقد أكدت الفترة الأخيرة على الرابط الوثيق بين إصلاحات مدونة الأسرة ومسألة انخراط المرأة في سوق العمل. هذا الرابط يشير إلى أهمية النظر في الإصلاحات المقترحة من منظور يتجاوز الأبعاد القانونية ليشمل الآثار الاجتماعية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالتوازن الديمغرافي والمساهمة في الاقتصاد الوطني.
تبيّن الدراسات والتجارب الدولية أن هناك تحديات جمّة تواجه المجتمعات فيما يخص التوازن الديمغرافي وانخراط المرأة في سوق العمل. وقد يبدو الأمر كمعضلة تواجه البلدان، لكن الحلول ممكنة عبر التفكير العلمي والعملي الذي يضع في الاعتبار الحفاظ على التوازن الديمغرافي مع تشجيع ودعم انخراط المرأة في الحياة العملية. هذه الحلول تتطلب نظرة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى سياسات داعمة ومحفزة، تشمل توفير بيئة عمل مواتية للمرأة وسياسات تشجع على الإنجاب والتوفيق بين متطلبات العمل والأسرة.
إن المسؤولية المشتركة بين الأفراد والمؤسسات تتطلب التعاون لإيجاد حلول عملية تحقق التوازن بين الحقوق والواجبات، وتعزز من قيم التعايش والتنمية المستدامة. الحل يكمن في الرؤية الواضحة والشجاعة في اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة المجتمع ككل، مع الحفاظ على التوازن الديمغرافي وتمكين المرأة، لضمان مستقبل مزدهر ومتوازن للأجيال القادمة.
08/04/2024