أبى محامو المغرب أن تمر الذكرى الـ 100 من تأطير مهنتم قانونا، إلا وقد بصموا تاريخها بقرار غير مسبوق في إطار مواجهة كل ما يمكن أن يضر بنظام العدالة في المغرب على الأقل من منظور قناعاتهم.
فتاريخيا نظمت مهنة المحاماة في المغرب أول مرة عندما صيغت مقتضيات قانونية تؤطر مزاولة مهنة المحاماة وهيئة المحامين كانت سنة 1924 ، وسيسجل التاريخ أن أقوى خطوة نضالية في زمن نضال المحامون كانت يوم 1 نونبر 2024.
خطوة أتت بعد أن وصل التجاذب بشأن مشروع قانون المسطرة المدنية إلى نقطة سوداء كسواد بذلة المهنة الموشحة بالبياض، لتشكل لنا رمزيا معاني العدالة والدفاع عن الحقوق.
فبعد القرار التاريخي الذي اتخذته جمعية هيئات المحامين، أوقف المحامون جميع أنشطتهم المهنية حتى إشعار آخر، ويعكس هذا الحراك غير المسبوق الاستياء العميق من غياب الحوار المثمر مع وزارة العدل، ويظهر القلق المتزايد على نزاهة النظام القضائي والمقتضيات التي تؤطر التقاضي.
وقد جاء تعليق أنشطة المهنة تعليقا شاملا غير مقتصر على بعض الإجراءات، لحماية الحقوق الأساسية للمواطنين من جهة ولحماية مكانة المحاماة من جهة أخرى على اعتبار أن المحامي لا يمكن إلا ان يكون في طليعة المدافعين عن الحقوق، يحمل في داخله رسالة إنسانية نبيلة، تتجسد في حماية قيم العدالة، وترسيخ مبادئها.
لا يمكن إلا الإقتناع أن هذه الخطوة بمثابة رد على سلسلة الانتكاسات المقلقة التي ستدخل إلى نظام العدالة من باب المسطرة المدنية.
لا يمكن إلا الاتفاق على ضرورة ضمان النظام القضائي للمساواة بين الجميع أمام القانون، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد.
لا يمكن إلا أن نرفض أن يتم تشريع نصوص تمييزية تبني حاجزا امام الولوج السلس إلى العدالة، وتضرب في المبدأ الأساسي للمساواة في الحقوق.
فهذا المبدأ في أصله هو تجسيد للاتفاقيات الدولية التي كانت حاسمة في تأكيد سمو الحق في التقاضي واكتسابه صبغة النظام العام الذي لا يقبل أي إنقاص أو تقييد أو استثناء كيفما كان نوعه.
إن أي تعديل يمس بحق المواطنين في الولوج للعدالة على جميع درجاتها ينزل منزلة عدم دستوريته، ولا يجوز انتهاك مبدأ المساواة بين المواطنين فيما بينهم وفي مواجهة الأشخاص الإعتبارية، وإحداث أي تمييز أو تفرقة بينهم أمام القضاء بمناسبة حماية حقوقهم والدفاع عنها، سواء كان ذلك على مستوى الإجراءات القضائية أو خلال تنفيذ الأحكام.
ولعمري هذا ما جعل المحامين غير قادرين على التزام الصمت، وبدؤوا مسيرة البحث عن حوار حقيقي لا إشهاري ودعائي.
إن ما نعيشه حالياً ينبع حسب الظاهر إلى حد كبير من رفض وزير العدل الدخول في أي نقاش بناء لتجاوز هذه الأزمة التشريعية، وغياب الحوار في هكذا أمور لا يمكن إلا ان تنتج وضعا شاذا وشائنا، يجعل أي اصلاح يعاني من الهشاشة والاعوجاج.
إن غياب الرداء الأسود الموشح بالبياض عن المحاكم يشكل صدمة ليس للنظام القضائي فقط بل لكل ما يرتبط به على رأسها الإستثمارات الداخلية منها والخارجية، خاصة أمام غياب منظومة تحكيم قادرة على جعل الاستثمارات الأجنبية بعيدة عن آثار هذا الوضع.
إن أي متتبع لشؤون العدالة يعي جيدا أن سبب هذه الخطوة ليست فقط بسبب ما يحدث على مستوى التشريع، – مشاريع قوانين المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية – بل سببه التراكمات الناتجة أيضا عن الصدامات التي تلقتها المهنة من حيث مكانتها، وكذا فيما يتعلق بالتأمين الصحي والضرائب المهنية..إلخ.
إن ما يجعل أي شخص منا يقتنع بقرارات المحامين في هذا الشأن، كونها جاءت في شكل خطوات تصاعدية، فقبل بدء هذا التوقف عن العمل كانت هناك إشارات سابقة ببلاغات وتوقف جزئي عن العمل، وندوة صحافية ووقفة وطنية، ولقاء وتشاور وطني.
لكن رغم هذا لا يمكن الاتفاق مع من شكك في نوايا أولاءك الذين اختاروا التعبير عن مواقفهم المخالفة بشكل جزئي للتوقف الكامل، أولاءك الذين قالوا نريد من المحامين تنظيم ندوة وطنية بالموازاة مع انطلاق الشكل الاحتجاجي ليشرحوا للمواطنين كل شيء يمكن أن يخفف من تخوفاتهم، ولا يمكن أيضا تقبل تهميش من قال من داخل المهنة عكس كل هذا.
نتمنى أن يكون لما حدث اليوم 2024/11/09 من تقارب واتفاق بين وزارة العدل وجمعية هيئات المحامين بمبادرة برلمانية ، نتمنى أن تكون نقطة توقف سطور الخلاف بين الطرفين، وفقرات التوجس والخوف والترقب لدى المتقاضين.
د : نبيل محمد بوحميدي
عضو جمعية عدالة ”من أجل الحق في محاكمة عادلة”
مؤسس منصة MarocDroit