تشهد مؤسسات الصحة النفسية في المغرب اختلالات حادة أثّرت على قدرة القطاع على تلبية احتياجات المرضى المتزايدة. ورصد تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024 تجاوز نسبة إشغال الأسرة في مستشفيات الأمراض النفسية 100% في بعض المناطق، ما يعكس عجزاً بنيوياً في تدبير العرض الصحي أكثر منه نقصاً في عدد الأسرة. يُضاف إلى ذلك استمرار إقامة بعض المرضى لسنوات طويلة، تصل في بعض الحالات إلى مدى الحياة، بسبب تعقيد إجراءات الخروج ونقص بدائل الإيواء الاجتماعي. كما أفاد التقرير بأن 25% من الطاقة الاستيعابية مهدرة بسبب حالات استشفاء غير ملائمة، مثل إيواء المشردين والأفراد المحكوم عليهم بانعدام المسؤولية الجنائية.
وتُظهر المعطيات أن غياب منظومة فعالة لإعادة الإدماج الاجتماعي والعائلي والمهني للمرضى يعمّق الأزمة، حيث تعجز العائلات عن التكفل بالمرضى في ظل غياب مؤسسات الحماية الاجتماعية المتخصصة. كما تساهم حالات الاستشفاء المتكررة بنسبة تصل إلى 90% في بعض المؤسسات، إلى جانب إقامة طويلة تصل إلى 30 يوماً في المتوسط، في استنزاف الموارد المتاحة. وأرجعت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية هذا الوضع إلى عوامل متعددة، أبرزها الاستشفاء الإجباري للأشخاص الذين يُعتبرون خطراً على أنفسهم أو الآخرين، وضعف أنظمة تتبع المرضى بعد مغادرتهم المستشفى، ما يؤدي إلى انتكاسات صحية متكررة.
وفي مواجهة هذا الوضع، دعا المجلس الأعلى للحسابات إلى وضع سياسة متكاملة للصحة النفسية ترتكز على تعزيز الوقاية والتوعية والكشف المبكر عن الأمراض النفسية. كما أوصى بتطوير إطار قانوني وتنظيمي يعزز الحوكمة ويشرك مختلف الفاعلين، مع ضرورة توفير نظام معلوماتي فعال لرصد الحالات وتوسيع نطاق التغطية الجغرافية للخدمات الصحية النفسية. وأكد التقرير على أهمية دعم المراكز الصحية المتخصصة للأطفال والشباب ومراكز الإدمان بالموارد الضرورية، وتعزيز العرض الصحي المتنقل لضمان وصول الخدمات إلى جميع مناطق البلاد بشكل عادل ومستدام.
16/12/2024