بعد نجاح وساطة الأولى في بوركينا فاسو بإطلاق 4 ضباط فرنسيين كانت تحتجزهم واغادوغو منذ سنة، كشفت تقارير عديدة عن جهود مكثفة يقودها المغرب لإنجاح وساطته للإفراج عن الرئيس النيجري محمد بازوم، الذي أطاح به انقلاب عسكري في 26 يوليو 2023، ويحتجز بازوم منذ ذلك الحين في مقر إقامته الرسمي بالعاصمة نيامي.
ويسعى المغرب إلى توظيف علاقاته المتميزة مع العسكريين في السلطة بالنيجر لتحقيق اختراق في هذه الأزمة، حيث تعتمد الرباط على سياستها الأصيلة القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية، مع التركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي، وهو نهج أكسبها مصداقية واحتراما في المنطقة.
وإلى جانب ذلك، يعكس هذا التحرك حرص المغرب على تعزيز الاستقرار في دول الساحل، مستندا إلى سجل حافل في بناء جسور الثقة مع الأطراف المتنازعة، ويظهر نجاح الرباط في الوساطة الليبية، التي استمرت لسنوات، قدرتها على تحقيق توافق بين الفرقاء، وهو ما ترك أصداء إيجابية لدى الدول الإفريقية، بما في ذلك النيجر.
واقتصاديا، يعكس الحضور المغربي القوي في النيجر عمق العلاقات الثنائية، فقد بدأ العمل مؤخرا بأول محطة كهرباء أسسها المغرب في النيجر، ضمن خطة لتشييد عدد من المحطات الأخرى، في إطار تعزيز البنية التحتية للطاقة في البلاد، كما أطلق المغرب مشاريع زراعية وتنموية أخرى تسهم في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين النيجريين.
إضافة إلى ذلك، تشارك النيجر في المبادرة المغربية لتسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وهو مشروع استراتيجي يهدف إلى تعزيز الربط الإقليمي وتحقيق التنمية المستدامة لدول المنطقة.
زلم تقتصر جهود المغرب على المشاريع الاقتصادية فحسب، بل شملت أيضا أبعادًا إنسانية واجتماعية، حيث يستقبل المغرب الطلبة الأفارقة من النيجر ودول الساحل للدراسة في جامعاته مجانا، كما يسهم في تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين الأفارقة وتوفير إيواء لهم، ما يعكس روح التضامن الإفريقي التي تنتهجها المملكة.
ويحظى المغرب بمكانة مميزة في منطقة الساحل المتاخمة لحدوده الجنوبية، إذ أصبح ينظر إليه كفاعل إقليمي محوري يعمل على تعزيز الأمن والاستقرار في إفريقيا، وتأتي وساطته في أزمة النيجر كامتداد لدوره الدبلوماسي الفاعل، حيث يتمتع بعلاقات متوازنة مع مختلف الأطراف في القارة.
وإذا نجحت وساطة المغرب في الإفراج عن بازوم، فإن ذلك سيعزز مكانته كوسيط موثوق وقوة دبلوماسية ناعمة في إفريقيا، كما سيسهم في تهدئة الأوضاع في النيجر، التي تواجه تحديات سياسية وأمنية منذ الانقلاب.
22/12/2024