تُعد الأزمة الحدودية الحالية بين المغرب وإسبانيا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التوترات التي شهدتها العلاقات الثنائية عبر العقود. فقد أدت هذه الأزمة إلى الإغلاق الكلي للحدود، وإلغاء التجارة عبر الحدود، ونظام السياحة، مع استمرار التأخيرات والإجراءات المشددة. إلا أن هذه التوترات ليست بالجديدة؛ فالتاريخ يُظهر أنها غالبًا ما تنتهي بالعودة إلى الوضع السابق، بما في ذلك استئناف التجارة عبر الحدود، التي تُعد شريانًا اقتصاديًا مهمًا لسكان المناطق الحدودية.
بدأت التوترات الحدودية بين البلدين منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت حرب إفني في عام 1958 أول مواجهة بارزة. وتفاقمت الأزمة في عام 1975 عندما شهدت سبتة انفجارات نُسبت إلى مجموعة تُسمى “جيش تحرير سبتة ومليلية”، لكنها انتهت بعودة الاستقرار بعد تغييرات إدارية في قيادة المدينة.
وفي عام 1996، اتخذ المغرب قرارًا جذريًا بإنهاء التهريب عبر الحدود، وأطلق حملة “التطهير” التي أدت إلى توقف التجارة فجأة، ما أثر على الاقتصاد المحلي لكل من شمال المغرب ومدينة سبتة السليبة. على الرغم من ذلك، سرعان ما استعادت العلاقات الحدودية عافيتها بعد فترة قصيرة من التوتر.
شهدت العلاقات فترة هدوء استمرت سبع سنوات خلال عهد مندوب الحكومة الاشتراكي في سبتة، حيث تم تعزيز التعاون مع المغرب، وتم فتح ممر خاص لعبور سكان المدينة. وفي أجواء إيجابية، زار وزراء مغاربة المدينة، مما عزز الروابط الثنائية.
لكن التوتر عاد من جديد في عام 2002، عندما فرضت السلطات الإسبانية قيودًا على خروج البضائع نحو المغرب، في خطوة أثارت استياءً واسعًا، حيث كانت هذه التجارة تمثل أكثر من 50% من اقتصاد سبتة، وتُدر عائدات مهمة على المدينة من خلال الضرائب المحلية.
في عام 2020، فرض المغرب إغلاقًا حدوديًا جديدًا، ما أدى إلى تعطيل حركة البضائع والركاب. تباينت التفسيرات حول دوافع الإغلاق، حيث أرجعه البعض إلى الخسائر الاقتصادية الناتجة عن التهريب، فيما رأى آخرون أنه استراتيجية مغربية للضغط على اقتصاد سبتة.
وخلال أزمة كورونا، بررت السلطات المغربية الإغلاق كإجراء وقائي لمنع انتشار الفيروس من سبتة إلى الأراضي المغربية. وعلى الرغم من انتهاء الأزمة الصحية، إلا أن الحدود لم تستعد نشاطها المعتاد، مما زاد من تعقيد الوضع، رغم التصريحات الرسمية التي تشير إلى تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين.
مع استمرار الأزمة، يأمل العديد من سكان شمال المغرب وسبتة في عودة التجارة عبر الحدود، التي شكلت موردًا اقتصاديًا مهمًا لعقود. ومع ذلك، يبدو أن استعادة هذه الأنشطة التجارية تعتمد على قرارات سياسية تتجاوز المسائل الحدودية لتشمل ملفات استراتيجية كبرى، مثل قضية الصحراء وتعزيز التعاون الاقتصادي المستدام بين البلدين.
إن حل الأزمة الحدودية يتطلب رؤية مشتركة بين المغرب وإسبانيا، تُراعي مصالح الطرفين، وتضمن استقرار الحدود وتحقيق التنمية لسكانها، بعيدًا عن سياسات الإغلاق المتكررة التي تُضر بالجميع.
27/01/2025