منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل شهرين، شهدت سوريا موجة عودة آلاف اللاجئين السوريين من تركيا، حاملين معهم أحلامًا بعودة الحياة إلى وطن أكثر استقرارًا وكرامة. إلا أن الواقع الذي واجهوه كان أقسى بكثير مما توقعوا، حيث اصطدموا ببنية تحتية مدمرة، وأوضاع اقتصادية خانقة، وانعدام للأمن، مما جعل التأقلم شبه مستحيل. تحولت أحلام العودة إلى عبء ثقيل، خاصة مع فقدان بعضهم حق العودة إلى تركيا بعد توقيعهم على وثائق العودة الطوعية، بينما بدأ آخرون، خاصة من حاملي الإقامات التركية، بإعادة النظر في قرارهم والتفكير بالعودة إلى “وطن اللجوء”.
في المقابل، لا تزال عائلات سورية أخرى تقيم في تركيا تترقب المشهد بحذر، مترددة في اتخاذ قرار العودة أو تؤجله مؤقتًا ريثما تتضح الصورة بشكل أكبر. وتقول لجين دالاتي، لاجئة سورية مقيمة في غازي عنتاب: “الحياة في تركيا صعبة، لكن فكرة العودة إلى سوريا غير مناسبة إطلاقًا”. وتضيف: “أعرف عائلات عادت، والرسائل التي تصلني منهم محبطة، لا ماء، لا كهرباء، لا فرص عمل، والوضع الأمني غير واضح”. هذه الصورة القاتمة دفعت الكثيرين، مثل محمد عزام الذي عاد من إسطنبول إلى حماة، إلى التعبير عن ندمهم على قرار العودة، حيث وجدوا أنفسهم عالقين في واقع اقتصادي وأمني صعب.
وفي محاولة لمساعدة اللاجئين على اتخاذ قرارات أكثر استنارة، أعلنت السلطات التركية عن برنامج يسمح لأرباب الأسر السورية بزيارة سوريا حتى ثلاث مرات بين يناير ويونيو من هذا العام لتقييم الظروف قبل العودة النهائية. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن التحديات الاقتصادية والأمنية تجعل الاستقرار في سوريا أمرًا صعبًا. ويوضح الخبير الاقتصادي يونس الكريم أن غياب المؤسسات الحكومية القادرة على تقديم الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى عدم استقرار العملة السورية، يجعل الحياة اليومية مكلفة وصعبة. ويضيف: “الانفلات الكبير في الأسعار يضيف عبئًا إضافيًا على العائدين، حيث يواجهون تكاليف معيشية مرتفعة مقابل مداخيل محدودة”.
إلى جانب التحديات المادية، يعاني العديد من العائدين من أزمات نفسية نتيجة الفجوة بين تطلعاتهم والواقع المرير. يقول عبد الله الناصر، الذي عاد من أورفا إلى حمص: “كنت أظن أن العودة ستمنحني إحساسًا بالأمان، لكنني الآن أشعر وكأنني فقدت كل شيء”. وتؤكد المرشدة النفسية عائشة عبد المالك أن مشاعر الندم طبيعية، خاصة لدى الذين كبروا في تركيا وواجهوا واقعًا مختلفًا عما تخيلوه. وتشير إلى ضرورة توعية اللاجئين بالتحديات التي تنتظرهم في سوريا قبل اتخاذ قرار العودة. بين الأحلام والواقع، تبدو عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهون تحديات تفوق قدراتهم، مما يجعل مستقبلهم غامضًا وصعبًا.
11/02/2025