تصريحات الجنرال الإسباني المتقاعد رافائيل دافيلا ألفاريز حول عدم اهتمام الناتو بسبتة ومليلية تكشف، من وجهة نظر مغربية، عن إدراك إسباني متزايد للهشاشة الاستراتيجية للوجود الإسباني في المدينتين المحتلتين. فإذا كانت مدريد ترى أن سبتة ومليلية تمثلان “الحدود الجنوبية لأوروبا”، فالحقيقة أن المدينتين تبقيان مستعمرتين تقعان على أرض مغربية، وهذا هو جوهر الإشكال الذي تتجاهله التحليلات الإسبانية.
إسبانيا، العضو في حلف الناتو، تجد نفسها اليوم مطالبة بإعادة النظر في مدى التزام الحلف بحماية أراضيها. لكن الإشكالية هنا ليست في موقف الناتو، بل في الوضع القانوني والسياسي لسبتة ومليلية. فالمادتان 5 و6 من معاهدة الحلف تنصان على حماية أراضي الدول الأعضاء داخل حدودها المعترف بها دوليًا، وهو ما يفسر غياب سبتة ومليلية عن أجندة الحلف. إذًا، المشكل بالنسبة للناتو ليس أمن المدينتين، بل وضعيتهما الاستعمارية التي لا يعترف بها القانون الدولي.
يحاول دافيلا الضغط على أوروبا والناتو لجعل المدينتين المحتلتين جزءًا من المنظومة الدفاعية للحلف، لكنه يتناسى أن استمرار الاحتلال الإسباني لهما هو ما يعزلهما عن أي التزامات دفاعية دولية. فإسبانيا التي تتحدث عن حقها في الأمن لا يمكنها إنكار الحق التاريخي والقانوني للمغرب في استرجاع أراضيه.
انتقاد دافيلا للوجود البريطاني في جبل طارق يعكس ازدواجية المعايير الإسبانية. فمدريد التي تطالب بسيادتها على جبل طارق بحجة رفضها للاستعمار الأوروبي داخل أوروبا، تتجاهل أنها تمارس نفس السياسة الاستعمارية في شمال المغرب. هذا التناقض يضعف موقفها أمام المجتمع الدولي، خصوصًا في ظل تنامي الوعي المغربي والإفريقي بحق المغرب في استكمال وحدته الترابية.
تصاعد النقاش داخل الأوساط الإسبانية حول مصير سبتة ومليلية يأتي في سياق تزايد القوة الدبلوماسية والعسكرية للمغرب. فالمملكة، من خلال تحديث جيشها، وبناء تحالفات قوية، وتعزيز موقعها الاقتصادي والاستراتيجي، أصبحت طرفًا أساسيًا في معادلة الأمن الإقليمي، ما يجعل أي نقاش حول مستقبل المدينتين لا يمكن أن يتم بمعزل عن المغرب.
محاولة دافيلا تصوير إسبانيا كضحية داخل الناتو هي مجرد محاولة لإخفاء الواقع الحقيقي: مدريد تدرك أن استمرار استعمارها لسبتة ومليلية أصبح عبئًا سياسيًا واستراتيجيًا، وليس مجرد قضية أمنية. والمغرب، بثباته الدبلوماسي وتطوير قدراته، يدفع مدريد نحو الاعتراف بأن مستقبل المدينتين لن يقرره الناتو، بل التاريخ والجغرافيا والشرعية الدولية.
13/02/2025