في مسلسل الفساد الذي تفوقت أحداثه على أعتى أفلام الجريمة، يطل علينا بطل القصة، عبد الرحمن المكروض، رئيس جماعة تادارت السابق، رفقة شريكه في المجد المشبوه، محمد لبرينصي، نائب رئيس غرفة الصناعة التقليدية، وعدول من طراز خاص، ليقدّموا لنا فصلاً جديدًا من “مافيا العقار”. هذه القضية التي لم تترك مجالًا للشك بأن الفساد لم يعد مجرد سلوك، بل صار فنًّا يُتقن بإبداع.
في خطوة درامية تليق بأحداث هذه القضية، خرج يونس العزاوي من داخل السجن ليقلب الطاولة على رأس عميد شرطة معتقل، على ذمة ملف رئيس جهة الشرق السابق المعتقل بدوره في قضية التهريب الدولي للمخدرات، متهمًا ( العزاوي ) في شكايته العميد بتزييف المحاضر، وإخفاء أدلة، بل وحتى اختراع أقوال من محض خياله، مما يستوجب – بحسب العزاوي – إجراء تحقيق دقيق ومقارنة ما دُوّن في المحاضر بما هو مسجل في ذاكرة الحاسوب، وكأننا في حلقة من برنامج الجرائم الغامضة.
أما القنبلة الحقيقية، فهي تلك العقود والملكيات التي نُسبت إلى المرحوم والده ( أحمد العزاوي ) ، والتي – ويا للمصادفة! – كان من أنجزها زعيم العصابة عبد الرحمن المكروض، مستعينًا بعدول يُجيدون التوقيع أكثر مما يجيدون قراءة الضمير ، والأكثر طرافة في القصة، أن بعض هذه الوثائق كانت متاحة لدى الفرقة الأمنية أثناء التحقيق، لكنها أصيبت بـ”لعنة الاختفاء الغامض”.
وفي مشهد لا يقل عن روائع السينما البوليسية، شهدت محكمة التوثيق في وجدة فصلًا جديدًا من هذا المسلسل، عندما وقف المتهمون أمام العدالة بتهمة تزوير محررات رسمية. المفاجأة الكبرى كانت في إحدى المعاينات الأمنية، التي كشفت أن تاريخ استصدار الملكية مطابق تمامًا لتاريخ عقد البيع (19/9/2013)، وكأن الفساد بلغ مرحلة من الاحترافية تجعله يتحدى قوانين الزمن نفسها!
وهكذا، تتكشف فصول القضية يومًا بعد يوم، ومع كل ورقة تسقط، يظهر أن المستور أعظم، وأن هذا الملف لا يزال يخفي بين طياته ما قد يجعلنا نعيد النظر في تعريف الفساد: هل هو مجرد انحراف أخلاقي، أم أنه نظام متكامل تديره عقول بارعة في فنون التلاعب؟ الأيام وحدها ستجيب.
21/02/2025