“لا تقلب الصفحة حتى تقرأ السطر الأخير”—تلك الحكمة العظيمة يبدو أنها كُتبت خصيصًا لتلائم مغامرات المؤلف الكبير عبد الرحمن المكروض، الرئيس السابق لجماعة تادارت، بجرسيف ، والمبدع في عالم التزوير بامتياز … بل يمكن القول إنه تفوق على أساليب ألفريد هيتشكوك نفسه، فبدلًا من إخراج أفلام الجريمة، قرر إخراج جرائم حقيقية، بأسلوب سينمائي فريد حيث تتلاعب العقود بالتواريخ وكأنها شريط سينمائي يعاد تركيبه وفق هوى المخرج.
ومن يدري، ربما كان ينبغي على شرطة سكوتلاند يارد الاستعانة بهذا العبقري لحل ألغازهم، بدلًا من ترك الأمور بين يدي العميد الممتاز المعتقل بسجن عين السبع 1، والذي كان يرأس فريق البحث في ملف الراحل عبد الله العزاوي . . لكن لحسن الحظ، لم يكن السيد المكروض الذي أعيد فتح التحقيق معه وأطلق سراحه مؤخرا مع إغلاق الحدود في وجهه ، بحاجة إلى حبكة بوليسية معقدة، بل فقط إلى عقد بيع يحمل تاريخًا يوافق وجود المرحوم في قسم الإنعاش، في إنجاز يستحق جائزة الأوسكار عن فئة “أفضل خدعة زمنية”!
وعندما سئل عن هذه المعجزة القانونية، لم يرمش له جفن وهو يصرّح بكل ثقة أن العقد وُقّع في فبراير، لكن العدل هو من قرر تغيير التاريخ. وبالطبع، عند مراجعة دفتر العدول، لم تكن هناك أي إشارة إلى هذه الصفقة العجيبة، إلا بعد بضعة أسطر وكأنها محاولة فاشلة لحبك سيناريو جديد … أما الطامة الكبرى، فهي أن “الملكية” التي استند إليها السيد المكروض للإستيلاء على أراضي المرحوم أحمد العزاوي بوجدة ، تعود إلى شهر فبراير، لكن سجلات العدول تحوي تاريخًا مختلفًا تمامًا، يتناسب مع الرواية الخرافية التي تم نسجها ببراعة.
والآن، إليكم المشهد الأروع في هذه المسرحية : توثيق العقد تم بتاريخ 2 يونيو 2015، بينما الوثائق الرسمية تشير إلى أن المستندات دخلت النظام الآلي في 26 مايو 2015. فهل نعيش في عالم حيث تمتلك مافيا العقار آلة للسفر عبر الزمن، تتيح لها الرجوع إلى الماضي لتعديل الوقائع؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلما لا تستخدم هذه الآلة لإصلاح الاقتصاد أو منع الكوارث الطبيعية بدلاً من تزوير العقود؟
كل هذا يطرح سؤالًا جوهريًا: هل ستضع المديرية العامة يدها على هذا الملف أم أن حبكة الفيلم ستتجه إلى “نهاية مفتوحة” حيث يفلت الجميع من العقاب؟ المؤكد أنه لو تغلّب الضمير المهني على المال والسلطة، لما أصبحت حقوق الناس مجرد أوراق تُلقى في مهب الريح. ولكن، كما يقال، مهما علا الباطل، فدولة المؤسسات والحق والقانون لها كلمتها الأخيرة—نأمل ذلك على الأقل، ما لم يكن هناك جزء ثانٍ من هذه القصة !
توقيع : رجل قانون