في مشهد يتكرر مع اقتراب كل استحقاق سياسي أو في سياقات حساسة، دخلت مؤسسة “جود” التابعة لحزب رئيس الحكومة أخنوش ، إلى إقليم الحسيمة بشحنة ضخمة من المساعدات بلغت 5000 قفة، وجرى توزيعها على بعض الجماعات التي يرأسها حزب التجمع الوطني للأحرار ، هذا التحرك يعيد الجدل حول طبيعة هذه المبادرات “الخيرية” ، ومدى ارتباطها بمصلحة الفئات الهشة أو بتوظيفها كأداة سياسية مغلفة بثوب الإحسان.
لا يمكن إنكار أهمية العمل الخيري في دعم الفئات الهشة، خاصة في المناطق التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة ، غير أن جوهر الإشكال لا يكمن في تقديم الدعم بحد ذاته، بل في الأسلوب الذي يتم به توزيع هذه المساعدات، وما إذا كان يستند إلى معايير شفافة وعادلة أم تحكمه دوافع سياسية غير معلنة. استهداف جماعات محسوبة على حزب معين بدل اعتماد توزيع شامل يعزز الشكوك حول الخلفيات الحقيقية لهذه العملية.
المسؤولية هنا تقع على السلطات الإقليمية، ممثلة في عامل الإقليم حسن زيتوني، الذي يواجه امتحانًا عسيرًا بين فرض الشفافية والعدالة في توزيع المساعدات، أو السماح بتحول المبادرات الإنسانية إلى أداة ضغط سياسي. تجربة عامل سيدي إفني، الذي تدخل لمنع استغلال العمل الخيري لأغراض انتخابية، تبرز كنموذج لما يمكن أن يكون موقفًا حاسمًا في مثل هذه الحالات.
العمل الخيري لا ينبغي أن يكون حكرًا على جهة سياسية معينة، بل يجب أن يخضع لمعايير واضحة تحميه من أي توظيف انتخابي. التنسيق مع السلطات المحلية يمكن أن يضمن توزيعًا أكثر عدلًا، بعيدًا عن أي استغلال حزبي، ويؤكد أن الهدف الأساسي هو مساعدة المحتاجين لا تحقيق مكاسب سياسية.
في نهاية المطاف، يبقى الرهان على قدرة الدولة بمختلف مؤسساتها على حماية المسار الديمقراطي من أي محاولات لاستغلال العمل الإنساني. التدخل الحازم لضمان الشفافية والحياد هو الاختبار الحقيقي، وإلا فإن المشهد المعتاد سيتكرر حيث تتحول القفف إلى ورقة مساومة سياسية، بغطاء خيري وبمباركة ضمنية من الجهات المعنية.
16/03/2025