شهدت العلاقات المغربية الإسبانية خلال السنوات الأخيرة تحولات جوهرية، عكستها مواقف مدريد تجاه القضايا السيادية للمغرب، وعلى رأسها قضية الصحراء. فمنذ إعلان رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي المغربي، دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة، تميّزت بتكريس مبدأ الشراكة الندية والمصالح المشتركة.
ويأتي هذا التحول في سياق دبلوماسي مغربي متماسك، قائم على تعزيز السيادة الوطنية وإعادة ضبط العلاقات الخارجية وفق رؤية استراتيجية واضحة. ولم يعد المغرب يرضى بدور الطرف التابع، بل فرض نفسه كفاعل أساسي في تحديد مسار العلاقات الثنائية، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني أو السياسي.
ومن بين الملفات البارزة التي عكست هذا النهج، مسألة فتح الجمارك التجارية في سبتة ومليلية المحتلتين، وهي خطوة تحمل دلالات سياسية تتجاوز بعدها الاقتصادي، إذ تمثل بداية مرحلة جديدة في التعامل مع الملفين، وفق مقاربة تدريجية تهدف إلى تعزيز السيادة المغربية عليهما مستقبلاً. كما أن قضيتي المجال الجوي وترسيم الحدود البحرية تعكسان تزايد ثقل المغرب في المعادلة الإقليمية، حيث أضحى يفاوض من موقع قوة، بعيدًا عن الضغوط التي كانت تمارس عليه سابقًا.
ورغم فترات التوتر التي قد تشوب العلاقات بين الحين والآخر، إلا أن الأرقام تؤكد أن المغرب وإسبانيا شريكان استراتيجيان لا غنى لأحدهما عن الآخر. فقد شهد التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعًا غير مسبوق، كما أصبح المغرب بوابة رئيسية لإسبانيا نحو الأسواق الإفريقية. إضافة إلى ذلك، يشكّل التعاون الأمني في ملفات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية أحد الأعمدة الأساسية في العلاقات بين البلدين، مما يعكس حجم المصالح المتشابكة بينهما.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن العلاقات المغربية الإسبانية انتقلت من مرحلة التبعية التقليدية إلى مرحلة الشراكة القائمة على الاحترام المتبادل. فالمغرب لم يعد الطرف الذي يتلقى الإملاءات، بل بات يفرض رؤيته وفق مصالحه الاستراتيجية، مستندًا إلى دبلوماسية براغماتية تمزج بين الحزم والتفاوض، مما يعيد رسم موازين القوى بين البلدين الجارين.
19/03/2025