في لقاء ضمن ندوة نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني، قدم الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، مساء أمس الجمعة، توضيحات بشأن استيراد المواشي، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من المعلومات ، التي وصفها ب “غير الدقيقة” المنتشرة حول أعداد المستوردين والتكاليف المرتبطة بهذه العملية.
وزعم العلمي أن العدد الفعلي للمستوردين بلغ 100 وليس 18 كما ذكرت بعض التقارير، وأن الكلفة لم تتجاوز 300 مليون درهم، خلافًا لما تم الترويج له عن بلوغها 13 مليار درهم، ما يعكس تضاربًا واضحًا في الأرقام المتداولة.
ووفق العلمي أن تصريحات وزير التجهيز والماء، نزار بركة، حول استيراد الأغنام والأبقار كانت تعبيرًا عن رأيه الحزبي وليس عن موقف حكومي رسمي، بناءً على المعطيات المتوفرة لديه.
كما نفى بشكل قاطع إمكانية وجود خروف بسعر 500 درهم، معتبرًا أن هذا الرقم غير واقعي ولا يمكن أن يوجد في أي سوق بالعالم، مما يثير التساؤلات حول مصادر هذه الادعاءات.
وتحدث رئيس مجلس النواب عن الأسباب التي دفعت الحكومة إلى تعليق رسوم استيراد الأغنام، حيث أشار إلى أن القطيع الوطني شهد تراجعًا كبيرًا، مما استدعى تدخل الحكومة لضمان توفر الأضاحي بأسعار مقبولة خلال عيد الأضحى، مع استهداف سقف 4500 درهم للأضحية.
كما شدد على أن الحكومة لا تستطيع التنبؤ بكافة الاختلالات التي قد تطرأ أثناء تنفيذ مثل هذه القرارات، ولا يمكن تحميلها المسؤولية عن أي انحرافات أو سوء تدبير قد يحدث أثناء عملية الاستيراد.
في ظل الانتقادات الحادة التي تعرضت لها الحكومة بسبب هذا القرار، دعا العلمي جميع الأطراف التي تمتلك أدلة على وقوع اختلاس أو تبديد للأموال العامة إلى التوجه إلى القضاء، مؤكدًا أن الاتهامات التي لا تستند إلى دلائل ملموسة تبقى مجرد مزاعم غير قابلة للتحقق.
كما شدد على أهمية مناقشة هذه الملفات داخل المؤسسات الرسمية وبالطرق القانونية، بدلًا من الاكتفاء بإثارة الجدل في الفضاء العام.
ودافع العلمي عن قرار دعم استيراد الأغنام خلال عيد الأضحى، مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي كان التخفيف من الغلاء وتمكين المواطنين من اقتناء الأضاحي بأسعار معقولة.
يأتي تصريح العلمي ، في وقت لا يزال الخروج الإعلامي لنزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، يثير نقاشا واسعا، خاصة بعد تصريحاته الجريئة بشأن استفادة غير أخلاقية لبعض الوسطاء من دعم الدولة المخصص لخفض أسعار الأضاحي، وما ترتب على ذلك من ارتفاع غير مبرر في أرباحهم.
لم تكن هذه الخرجة مجرد موقف عابر، بل كشفت عن إشكاليات هيكلية في آليات السوق، والمضاربة الاقتصادية، وتأثير الوسطاء على القدرة الشرائية للمواطنين، مما أعاد إلى الواجهة هاجس الشفافية والمحاسبة في تدبير الملفات الاقتصادية.
جاءت تصريحات نزار بركة في سياق ارتفاع غير مبرر في أسعار اللحوم، وهو ما دفع الرأي العام إلى التساؤل حول دور الوسطاء في استغلال الظرفية الاقتصادية الصعبة لمراكمة أرباح غير مشروعة. وقد كشف الوزير عن رقم صادم، مفاده أن مستوردي الأبقار والأغنام حققوا أرباحًا تفوق 1300 مليار سنتيم، وهو ما يعكس حجم الخلل في منظومة تسعير المواد الغذائية الأساسية. وتدعو هذه المعطيات إلى إعادة النظر في آليات ضبط السوق، من أجل تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وحماية المواطنين من جشع المضاربين.
وفي خطوة غير مسبوقة، دعا نزار بركة إلى وضع ميثاق أخلاقي في المجال الاقتصادي، مستوحى من التجربة السياسية، بهدف إرساء مبادئ الشفافية والمساءلة داخل المنظومة الاقتصادية.
هذه المبادرة فتحت باب التساؤلات حول مدى إمكانية تفعيل مثل هذا الميثاق في ظل واقع السوق الحرة، حيث تتحكم المضاربة والاحتكار في الأسعار أكثر من القوانين المنظمة. فهل ستحظى هذه الدعوة بدعم سياسي ومؤسساتي، أم أنها ستظل مجرد شعار دون تطبيق فعلي؟
لم تمر تصريحات نزار بركة دون إثارة الجدل، خاصة أنه يمثل أحد مكونات الأغلبية الحكومية، مما جعل البعض يعتبر أن انتقاده لطريقة تدبير هذا الملف كان ينبغي أن يتم داخل آليات التنسيق الحكومي بدلًا من وسائل الإعلام. في المقابل، يرى آخرون أن هذه الخرجة الإعلامية تحمل أبعادا سياسية وانتخابية، خاصة مع طموح حزب الاستقلال إلى لعب دور محوري في قيادة الحكومة المقبلة. هذا ما يفسر حرص بركة على تقديم خطاب صريح يتماهى مع نبض الشارع، ويعزز موقعه السياسي داخل المشهد الوطني.
29/03/2025