في مشهد قد يعيد رسم خارطة السياسة الفرنسية، تترقب الأوساط الداخلية والخارجية قرار المحكمة الفرنسية بشأن زعيمة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبان، المتهمة بتحويل أموال أوروبية لدعم حزبها عندما كان يُعرف باسم “الجبهة الوطنية”. هذه المحاكمة، التي تُجرى وسط تصاعد الاستقطاب السياسي في فرنسا، قد تُحدد مصير لوبان السياسي، وتُلقي بظلالها على التوازنات الإقليمية، بما في ذلك العلاقة بين باريس والرباط.
إذا تم تنفيذ توصية النيابة العامة بسجن لوبان وحرمانها من حقوقها السياسية لخمس سنوات، فإن ذلك قد يُقصيها من السباق الرئاسي لعام 2027، ما يفتح المجال أمام تغييرات سياسية جذرية. فحزبها، الذي شهد تقدمًا كبيرًا على حساب معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون، كان يُنظر إليه كأبرز المرشحين للوصول إلى الإليزيه.
هناك ثلاث احتمالات رئيسية لما قد تسفر عنه المحاكمة:
1. تبرئتها التامة – سيناريو ضعيف، لكنه سيحافظ على مكانتها السياسية دون تغيير كبير.
2. إدانتها مع وقف التنفيذ – وهو حل وسط يسمح لها بالترشح للرئاسة، لكنه يُضعف موقفها السياسي.
3. إدانتها مع تنفيذ العقوبة فورًا – ما قد يُحدث زلزالًا في المشهد السياسي الفرنسي، ويؤدي إلى إعادة ترتيب التحالفات داخل اليمين المتطرف.
مارين لوبان عُرفت بمواقفها المتشددة تجاه قضايا الهجرة والأمن، وغالبًا ما ارتبط خطابها بمناهضة المهاجرين القادمين من شمال إفريقيا، بمن فيهم المغاربة. ومع ذلك، فإن حزبها في السنوات الأخيرة حاول إعادة صياغة خطابه تجاه المغرب تحديدًا، مدركًا أهمية الشراكة الاقتصادية والأمنية بين باريس والرباط.
إذا خرجت لوبان من السباق الرئاسي، فقد يؤثر ذلك على توجهات السياسة الفرنسية تجاه المغرب. فجوردان بارديلا، الخليفة المحتمل لها، يحمل رؤية مشابهة لكنه أقل عدائية، وقد يُسهم في تبني نهج أكثر براغماتية في العلاقة مع الرباط، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا التعاون الاقتصادي والأمني، وملف الصحراء المغربية الذي يشكل ركيزة أساسية في العلاقات بين البلدين.
في حال تنفيذ العقوبة بحق لوبان، فإن الأنظار ستتجه إلى جوردان بارديلا، رئيس الحزب الحالي والنائب في البرلمان الأوروبي. يتمتع بارديلا بشعبية متزايدة، وقد يكون قادرًا على قيادة الحزب دون أن تتأثر قاعدته الانتخابية بشكل كبير.
لكن السؤال الذي يثير الجدل في الأوساط السياسية: هل تستطيع لوبان العودة إلى المشهد السياسي من بوابة الحكومة في حال فوز بارديلا؟
القوانين الفرنسية تمنع المحروم سياسيًا من تولي المناصب العامة، لكن الجدل لا يزال قائمًا حول مدى شمول هذا المنع للحقائب الوزارية.
مهما كان الحكم، فإن تبعاته لن تقتصر على فرنسا وحدها، بل قد تمتد إلى علاقاتها الإقليمية، خصوصًا مع المغرب، الذي يُتابع عن كثب المشهد السياسي الفرنسي بحكم الروابط التاريخية والمصالح المشتركة. فهل سيؤدي إقصاء لوبان إلى تغيير في ديناميكيات العلاقة بين باريس والرباط؟ أم أن اليمين المتطرف سيعيد تشكيل استراتيجيته بما يضمن استمرار تأثيره في السياسة الخارجية الفرنسية؟
الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل لوبان… ومستقبل فرنسا على الساحة الدولية.
30/03/2025