بعد حملة التصعيد اللفظي التي قادها النظام الجزائري تجاه فرنسا، سرعان ما تبددت الشعارات الحماسية، ليحل محلها واقع مغاير فرضته معطيات السياسة والدبلوماسية. فبينما كان الإعلام الرسمي يردد خطاب المواجهة، اتجهت السلطة الفعلية في الجزائر إلى مسار مختلف، متبنية أسلوب التهدئة والانفتاح بعد أن لاحت في الأفق تهديدات بعقوبات فرنسية تطال مسؤولين جزائريين وعائلاتهم.
جاء هذا التحول عقب مكالمة هاتفية جمعت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، كشفت تفاصيلها الصحافة الفرنسية. فبعد أن اتخذت الجزائر موقفًا متصلبًا، مطالبة فرنسا بالتراجع عن اعترافها بمغربية الصحراء كشرط لاستعادة العلاقات الطبيعية، وجدت نفسها مضطرة إلى تعديل مواقفها، إذ لم يعد هذا الملف، الذي شكل مصدر توتر بين البلدين، ضمن أولويات النظام الجزائري في التعامل مع باريس.
وفي الوقت الذي كان الخطاب الرسمي يروج لموقف صارم تجاه فرنسا، جاءت هذه المستجدات لتكشف عن واقع مغاير، حيث بدا أن الجزائر قد اضطرت إلى التراجع عن مواقفها السابقة بعدما وصلت إلى طريق مسدود. ووفقًا للتقارير، فقد جاء هذا التحول بعدما تناهى إلى علم السلطات الجزائرية أن فرنسا بصدد إعداد قائمة تضم 800 مسؤول جزائري ستُفرض عليهم قيود مشددة على دخول الأراضي الفرنسية.
على المستوى الإعلامي، عكست التغطيات الأخيرة تغيرًا في لهجة الخطاب، حيث تم التراجع عن الانتقادات الحادة التي استهدفت شخصيات معينة، ومن بينها الروائي بوعالم صنصال، الذي سبق أن وُصف بنعوت قاسية، ليُعاد تقديمه بنبرة أكثر احترامًا. كما أثار حذف بلاغ رئاسي حول مضمون الاتصال بين تبون وماكرون موجة من التساؤلات، خاصة أن صياغته عكست رغبة جزائرية في إعادة الدفء إلى العلاقات الثنائية، رغم التصريحات السابقة التي كانت تتبنى خطابًا أكثر تشددًا.
بهذا، يتكرر سيناريو سبق أن شهده المشهد السياسي الجزائري، حيث تبدأ المواجهة بتصعيد قوي ينتهي بتراجع ملحوظ عند مواجهة ضغوط الواقع الدولي. فكما حدث مع إسبانيا، حين اضطرت الجزائر إلى التراجع عن موقفها المتشدد تجاه مدريد، نجد المشهد يعيد نفسه مع فرنسا، لكن بأسلوب أكثر وضوحًا يعكس حجم التحولات التي بات النظام الجزائري مجبرًا على التعامل معها، سواء أراد ذلك أم لا.
01/04/2025