لطالما قدّمت الجزائر نفسها كمنبر لحركات التحرر و”قلعة للثوار” في العالم الثالث، غير أن هذا الادعاء سرعان ما يتهاوى أمام وقائع التاريخ ومعطيات الجغرافيا السياسية. فبعيدًا عن الشعارات، تكشف الممارسات المتناقضة أن النظام الجزائري لم يكن يومًا حاضنة للتحرر، بل ساحة لتوظيف الصراعات الخارجية لتبرير إخفاقاته الداخلية.
المفارقة أن الدول التي ساهمت فعليًا في استقلال الجزائر – وعلى رأسها المغرب وتونس ومصر ومالي – يتم تغييب أدوارها بشكل ممنهج في الرواية الرسمية الجزائرية، رغم ما قدمته من دعم لوجستي وسياسي ومالي للثورة الجزائرية. هذا التناسي المتعمد لا يمكن فصله عن رغبة النظام في احتكار بطولات الماضي لصناعة شرعية مهترئة.
في المقابل، لم تترجم الجزائر ادعاءاتها الداعمة لـ”حق الشعوب في تقرير المصير” إلى مواقف أخلاقية أو متسقة، بل تبنّت قضايا خارجية لا تمت لها بصلة، واحتضنت كيانات انفصالية، بينما تقمع في الداخل كل صوت حرّ ينادي بالإصلاح أو يكشف الفساد.
أما علاقتها بجيرانها المغاربيين، فباتت تتسم بالعداء والصدام، في وقت يحتاج فيه الفضاء المغاربي إلى التكامل والتضامن. إغلاق الحدود، تغذية الانقسامات، وتصدير الأزمات لم تعد تخفى على أحد، وهي سياسات تعكس عزلة نظام يبحث عن عدو خارجي لإلهاء الداخل المأزوم.
القضية المفتعلة حول الصحراء المغربية أضحت الورقة التي يشهرها النظام كلما اشتدت عليه الضغوط، في تجاهل تام لوحدة الشعب المغربي حول قضاياه المصيرية، وللمكاسب الدبلوماسية والتنموية التي يحققها المغرب بثبات على أرض الواقع.
في المحصلة، بينما يراهن النظام الجزائري على خطاب متقادم قائم على الاستفزاز والتضليل، يرد المغرب بلغة الإنجاز والانفتاح والشرعية، معتمدًا نهجًا دبلوماسيًا رصينًا، يُفكّك الخطاب العدائي بالحجة، ويواجه الدعاية بالصمت الواثق.
08/04/2025