في مشهد أقرب إلى الزيارات “العائلية” منها إلى الجولات السياسية، حلّ الرئيس الإسباني السابق، خوسيه ماريا أثنار، بمدينة مليلية المحتلة، رفقة زوجته وبعض الأصدقاء، في رحلة استكشافية يبدو أنها لاكتشاف “الوجه الآخر” لإسبانيا… ذاك الوجه الذي يطل مباشرة على المغرب، لكنه يرفض الاعتراف بأنه مجرد ظل في حديقة الجيران.
بدأ أثنار جولته من المعبر الحدودي بني أنصار، في خطوة بدت رمزية أكثر من كونها بروتوكولية، وكأن الرجل أراد أن يتأكد بنفسه من أن بوابة “إسبانيا الكبرى” ما زالت تفتح وتغلق بإذن المغرب. رافقه حاكم المدينة خوان خوسيه إمبرودا، الذي استقبله في المقر المركزي كما يُستقبل المنقذ المنتظر.
وخلال الزيارة، أبدى الزوجان اهتمامًا كبيرًا بتاريخ المدينة ومبانيها، وكأنهما يكتشفان مليلية لأول مرة، أو لعلهما يبحثان عن معالم “إسبانيا الأصلية” التي يقول أثنار إنها تبدأ من هنا. نعم، من مليلية… حيث تبدأ الخطابات التاريخية وتنتهي سيادة الجغرافيا.
في تصريح بدا وكأنه مقتطف من رواية خيالية، قال أثنار إن “مليلية هي حيث تبدأ إسبانيا”، وكأننا في قصة من القرن 16 عندما كانت الإمبراطوريات تُرسم بفرشاة الغرور الإمبريالي. وأضاف، في نبرة باردة لا تخلو من الحنين، أن الثقة بين الإسبان يجب أن تُستعاد … من مليلية طبعا، المدينة التي تُطل على بحر من التساؤلات حول الشرعية والتاريخ.
أما بخصوص ملف القاصرين غير المصحوبين، فقد عبّر أثنار عن رفضه لتوزيعهم بين الأقاليم الإسبانية، وكأن القضية لا تتطلب حلا إنسانيا بقدر ما تتطلب فذلكة سياسية. والغريب أن أثنار، الذي أمضى سنوات في السلطة دون حل جذري لهذا الملف، بات اليوم يتحدث كناقد خارجي لا مسؤول سابق.
وبنبرة العارف بخفايا الدبلوماسية (أو المتذاكي على الواقع)، أشار أثنار إلى ضرورة استعادة إسبانيا لقوتها ووزنها في العالم. طبعا دون أن ينسى تمرير رسائل مبطنة إلى المغرب، حين قال إن السياسي “العاقل” يجب أن يحسن اختيار التوقيت والمكان للعلاقات مع الجيران. يبدو أن أثنار نسي أن المغرب هو من يحدد التوقيت هذه الأيام، وهو من يُعيد رسم قواعد الجوار.
من جهته، لم يُخفِ حاكم المدينة، خوان خوسيه إمبرودا، سعادته بزيارة “رئيس إسبانيا العظيم”، مذكّرًا بما تحقق في عهده من مشاريع، وكأن المدينة كانت جنة على الأرض قبل أن يُغادر أثنار المشهد. لكن الحقيقة أن مليلية اليوم تعيش عزلة اقتصادية، وتراجعًا تجاريًا، رغم كل “التحلية” التي وعدت بها حكومته السابقة.
عودة أثنار إلى مليلية المحتلة تُعيد طرح أسئلة عميقة عن رمزية هذه المدينة في المخيال الإسباني، وفي الذاكرة المغربية التي لم تُغلق ملفها يومًا. فبينما يحاول الإسبان التمسك بمليلية كورقة إثبات للهوية، يراها المغاربة جرحًا مفتوحًا في خاصرة الوطن، وجزءًا لا يقبل التقسيم من تاريخ لم يُكتب بعد.
10/04/2025