في قلب مدينة الناظور، حيث يُفترض أن تسكن الطمأنينة، ينبض حي إصبانن بنبضٍ مختلف … نبضُ الخوف، والريبة، والتجارة المشبوهة … أصبح هذا الحي نموذجًا صارخًا للفوضى المقنَّعة، حيث تنشط تجارة المخدرات علنًا، تحت أنظار الجميع… بل وبحمايةٍ ضمنية من حراسٍ وجواسيس ترصد الحملات الأمنية المحتشمة التي لا تتجاوز حدود الاستعراض، يتوزعون بين الأزقة والدروب، يراقبون المارّين ويحدّدون من يستحق “السلام” ومن تجب ملاحقته.
ما يجري اليوم في إصبانن يشبه ما كانت عليه بوغوتا عاصمة المخدرات في زمن التسعينيات، حيث يصبح الحي رهينة لأباطرة السموم وأذرعهم الخفية من عيون مأجورة … اللافت أن هذه “الحماية” ليست وليدة الصدفة، بل هي جزء من شبكة اجتماعية معقّدة، حيث يتحوّل بعض سكان الحي إلى عيونٍ ساهرة على مصالح تجّار السموم، مقابل فتاتٍ زهيد، أو حفاظًا على سلامة رقابهم من انتقامٍ صامت.
تتحوّل الأزقة إلى مسرحٍ لعمليات بيعٍ وشراء تجري تحت جنح الليل وأحيانًا في وضح النهار، لا يجرؤ فيه الأبرياء على رفع أصواتهم، ولا يملك فيه القانون إلا صدىً خافتًا يتبخّر بين الجدران، في ظل مشهدٍ درامي محزن عنوانه الصمت والتواطؤ.
من المخجل أن تتحوّل أحياء إلى مستعمرات مخدّرة، يديرها أشخاص لا يؤمنون إلا بمنطق القوة والمال، فيما تكتفي الجهات المعنية بحملات متقطعة، تنتهي سريعًا دون أن تلامس الجذور الحقيقية لهذا الاستفحال.
ألم يحن الوقت لتفكيك هذه الشبكات؟ ألم يئن أوانُ رد الاعتبار لساكنة اصبانن وأولاد ميمون وبراقة واولاد بوطيب … وحقهم في أحياء نظيفٍة آمنة ؟
اصبانن اليوم يختنق… ولا دواء لهذا الاختناق إلا بقبضة صارمة وقانونٍ عادلٍ لا يخضع لصفقات خلف الستار، ولا يُهادن تُجار الخراب.
