لا يكتمل مشروع العدالة في أي أمة دون مواجهة صفحات ماضيها المؤلم، ولا يتحقق الإنصاف إلا بتصحيح المظالم التي خلفها التاريخ في ذاكرة الشعوب … ومن هذا الأفق الإنساني والحقوقي، يتبنى حزب أندلسي موقفًا واضحًا وحاسمًا تجاه قضية الموريسكيين، باعتبارها من أعمق وأقدم القضايا العالقة التي ما تزال تنتظر قرارًا سياسيًا جريئًا يعيد الاعتبار لضحايا ظلم تاريخي وقع عليهم، رغم اعترافهم الكامل بمواطنتهم الإسبانية في ذلك الوقت.
لقد كان قرار الطرد القسري للموريسكيين سنة 1609، بمرسوم ملكي، انتهاكًا صريحًا لحقوق المواطنة التي كانوا يتمتعون بها قانونًا، ولم يكن مجرد إجراء سياسي عابر، بل شكّل جرحًا عميقًا في الوجدان الإسباني، وترك أثرًا إنسانيًا واجتماعيًا لا يزال حاضرًا في الذاكرة الجمعية لإسبانيا.
وبعد مرور أكثر من أربعة قرون على هذا الظلم، تظل الدولة الإسبانية مطالبة بتحمل مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية، باعتباره ملفًا لا يسقط بالتقادم، كونه متعلقًا بحقوق الإنسان، والعدالة الوطنية، والذاكرة الجماعية المشتركة.
وانطلاقًا من قناعاته الراسخة بمبادئ المساواة والعدالة التاريخية، وجه حزب أندلسي نداءً رسميًا إلى الحكومة الإسبانية يدعو فيه إلى:
أولًا: الاعتراف الرسمي بحقوق أحفاد الموريسكيين كمواطنين إسبان أصليين.
ثانيًا: منحهم الجنسية الإسبانية الكاملة بموجب مرسوم التجنيس، على غرار ما استفاد منه أحفاد السفارديم (اليهود الإسبان المطرودين).
ثالثًا: إرساء مبدأ العدالة التاريخية كركيزة وطنية وأخلاقية، تساهم في بناء إسبانيا منفتحة، عادلة، متصالحة مع ماضيها، ومتعددة الهويات.
ويستند هذا المطلب المشروع إلى المادة 21.1 من القانون المدني الإسباني، التي تتيح منح الجنسية الإسبانية بموجب مرسوم التجنيس في الحالات الاستثنائية. ويرى الحزب أن حالة أحفاد الموريسكيين تنطبق عليها هذه الظروف بشكل واضح، بالنظر إلى ما تعرض له أجدادهم من إقصاء ونفي قسري.
أما بخصوص إثبات النسب الموريسكي، فيقترح الحزب أن يتم عبر تقديم شهادة رسمية من المؤسسات أو الهيئات المعتمدة، مدعومة بأي مستندات أو وثائق تعزز هذا الوضع، لضمان معالجة الملف في إطار قانوني ومؤسساتي دقيق وعادل.
ويسجل البيان أن الموريسكيين الذين تم طردهم في واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري في أوروبا، حملوا معهم إلى المغرب ذاكرتهم الأندلسية وتراثهم الثقافي والإنساني الغني. وقد استقر معظمهم في مدن الريف، تطوان، شفشاون، فاس، الرباط وسلا، حيث اندمجوا في النسيج المغربي، مع احتفاظهم بجزء من هويتهم وتقاليدهم الأندلسية، التي ظلت حية في الموروث المغربي إلى يومنا هذا.
ويؤكد حزب أندلسي أن إنصاف الموريسكيين اليوم لا يعني فقط استرجاع جنسية مسلوبة، بل هو خطوة وطنية رمزية ومصالحة شجاعة مع الماضي المتنوع لإسبانيا، ورسالة احترام لقيم التعايش والاختلاف، والاعتراف بالتاريخ المشترك مع المغرب الذي احتضن هؤلاء المطرودين وأنقذ تراثهم من الضياع.
إنه نداء مفتوح إلى الضمير الإسباني الرسمي والشعبي، وإلى كافة القوى السياسية والمؤسسات المدنية، للوقوف إلى جانب هذا المطلب العادل والإنساني، الذي يعكس إسبانيا العادلة المتصالحة مع ذاكرتها، والمنفتحة على قيم التنوع.