مرة أخرى، يخرج علينا حاكم مدينة مليلية المحتلة، خوان خوسيه إمبرودا، ليُعلّق على ميزانية الدفاع الإسبانية وكأنه جنرال في حرب النجوم، لا مجرد سياسي محلي يتقن فن التهويل والنوستالجيا العسكرية. ففي تصريحاته الأخيرة، هلّل الرجل للزيادة الخرافية في الإنفاق العسكري – التي بلغت أكثر من 10.5 مليار يورو – معتبرًا إياها “ما يجب القيام به”، كما لو أن الدفاع عن شواطئ مالقا بات يتطلب ميزانية تفوق مداخيل دول بأكملها.
إمبرودا لم يفوّت الفرصة، طبعًا، لربط الزيادة بالدفاع عن مليلية، وكأن المدينة أصبحت فجأة مستهدفة من قبل جحافل فضائية، وليس مجرّد مدينة مغربية محتلة منذ قرون. ومن فرط الحنين، طالب مجددًا بعودة الفرقة الثانية من الفيلق الإسباني “تيرثيو غران كابيتان”، وكأن وجود الجنود في الشوارع هو ما ينقذ اقتصاد المدينة ويُنعش ثقافتها. بالله عليك، هل سيتحوّل الجنود إلى فنانين ومسرحيين وشعراء؟
أما حديثه عن الضرائب المرتفعة وفائض الميزانية، فكان أقرب إلى عرض مسرحي هزلي، حيث ينتقد حكومة سانشيز على جمع الأموال من جيوب المواطنين، فقط ليصفّق بعدها لإنفاقها على الدبابات والبوارج! عجيب أمر هذا الرجل… يشتكي من حريق، ثم يصبّ عليه البنزين وهو يبتسم.
ولا ننسى طبعًا لائحة الشكاوى التقليدية التي يُخرجها في كل مناسبة، من غياب الربط الجوي إلى ضعف الخدمات العمومية، ليعطي انطباعًا وكأن مليلية معزولة عن العالم… في حين أن مشكلتها الحقيقية تكمن في احتلالها المستمر، وليس في عدد رحلات الطيران إلى مدريد.
في النهاية، يبدو أن السيد إمبرودا يصرّ على تحويل مليلية إلى قاعدة عسكرية مغلقة بدل أن تكون مدينة تتطلع للمصالحة مع محيطها الجغرافي والإنساني. فمتى يفهم أن أفضل “دفاع” عن المدينة هو الانفتاح، لا التسلّح… والحوار، لا استدعاء الفِرق العسكرية من كتب التاريخ ؟.
محمد الداموس :