بسخرية لاذعة، لم تجد السيناتورة عن الحزب الشعبي في مليلية المحتلة، إيزابيل مورينو، وسيلة أفضل للتعبير عن “فرحتها الغامرة” سوى الإشادة الساخرة بخطوة وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، الذي قرر أخيرًا المثول أمام البرلمان ومجلس الشيوخ بعد “أشهر من المماطلة”، لمناقشة ملف فتح المعابر الجمركية في سبتة ومليلية.
لكن ما تُقدمه مورينو على شكل انتقاد يخفي في طياته انزعاجًا سياسيًا عميقًا من تحوّل موازين العلاقات بين مدريد والرباط، إذ لم يعد المغرب ذلك الجار الذي يرضى بسياسات أحادية أو بإجراءات تُفرض عليه من خلف الكواليس.
ففي تصريحاتها لإذاعة “أوندا ثيرو”، وصفت مورينو نظام عبور المسافرين الحالي بين المغرب والمدينتين بأنه “غير متكافئ وأحادي الاتجاه يخدم فقط الجانب المغربي”. وهنا يبرز تساؤل مغربي مشروع: هل يُعقل أن يكون هذا النظام المجحف، كما تصفه، في مصلحة المغرب، وهو الذي يفرض قيودًا على مواطنيه ويحد من حركتهم؟ أم أن المعادلة الحقيقية تكمن في الحنين إلى مرحلة كان فيها التهريب المعيشي يضخ الملايين دون حسيب أو رقيب، ويُستخدم كأداة لاحتواء الاحتقان المحلي؟
الرؤية المغربية للمعابر واضحة ومعلنة: شراكة قائمة على الندية والمصالح المتبادلة، لا على استنزاف اقتصادي لطرف لصالح طرف آخر. فتح المعابر، من وجهة نظر الرباط، ليس مجرد إجراء إداري، بل عنوان لمرحلة جديدة في العلاقات المغربية الإسبانية، تتجاوز منطق “الامتيازات” لتؤسس لمرحلة من التوازن والسيادة واحترام القرار الوطني.
وإن كانت مورينو تنتقد ما تعتبره “مراوغة” من الوزير الإسباني عبر دمج جلسات مختلفة حول قضايا متعددة، فإن الرؤية المغربية ترى في هذا النهج دليلًا على غياب رؤية موحدة لدى مدريد بشأن مستقبل المدينتين وموقعهما الحقيقي ضمن أجندة السياسة الخارجية الإسبانية.
أما الحديث عن “العلاقات الممتازة” مع المغرب واعتبارها وهمًا، فلا يُغيّب حقيقة أن الرباط اليوم تتحاور من موقع قوة، وتفرض شروطها في إطار شراكة استراتيجية، لا في مناخ التبعية.
في النهاية، ليست الجمارك في سبتة ومليلية سوى تفصيل صغير في مشهد أكبر يرسم ملامح تحوّل جيواستراتيجي تشهده المنطقة. ومن يقرأ هذا التحوّل بعيون الماضي، لن يرى سوى التهكم، أما من ينظر إليه من زاوية المستقبل، فيدرك أن المغرب لم يعد يطرق الأبواب، بل بات يصوغ مفاتيحه الخاصة.
24/04/2025