في المغرب فقط، قد تجد أستاذًا جامعيًا يقضي ليلته في الحراسة النظرية لأنه تجرأ على قيادة طاكسي بحثًا عن لقمة عيش، بينما آخرون يحتكرون المناصب والامتيازات كما لو أنهم وُلدوا لتلك المواقع، دون حسيب أو رقيب.
أستاذ محترم، حامل لشهادات علمية مرموقة، تم توقيفه في حي باب دكالة بمراكش، وهو يقود سيارة أجرة صغيرة “سرًّا وبدون رخصة الثقة”. لم يكن هاربًا من العدالة، بل من شبح الجوع. كان يكتري تسع مأذونيات من أحد كبار بارونات قطاع الطاكسيات، وكأننا أمام مشهد من فيلم مافيوزي، بطابع مغربي خالص.
الشرطة تعاملت مع القضية بصرامة تليق بلص بنوك، وأحالته مباشرة على الحراسة النظرية بأمر من النيابة العامة. أما المحتكرون الحقيقيون، الذين راكموا الثروات والمأذونيات، فربما كانوا حينها يحتسون قهوتهم في فنادق مصنفة، يناقشون “تطوير القطاع” الذي أنهكوا أُسسه.
وفي المقابل، تتزاحم الوجوه والأسماء في المشهد العام المغربي، يشغلون مناصب متعددة في وقت واحد. فهل يملكون رخصة لتعدد المهام؟ أم أن المناصب تُمنح هنا حسب منسوب الولاء، لا ميزان الكفاءة؟
تعليقات من عالم موازٍ… لكنه حقيقي يوسف كتب في تدوينة لاذعة: “فوزي لقجع يتنقل بين المناصب كما يتنقل المواطن البسيط بين الوظائف المؤقتة، نعيش في زمن الاحتراف السياسي بلا توقيت، وبلا محاسبة زمنية أو أخلاقية”.
عبد الغني بدوره لخص المشهد بسخرية مرة: “خاصك ثلاثة ديال الخدمات باش تعيش… بحال أمريكا، ولكن بلا أمريكا”.
أما وردة، فاحتفظت بخفة ظلها وسط العتمة، وعلّقت: “ممكن كايدير بحث”. وربما كانت محقة. لعل الأستاذ الموقوف كان يُعد أطروحته حول: “المفارقة بين مكانة الأستاذ في الخطاب الرسمي وموقعه الفعلي في سوق العمل المغربي”. لكن، للأسف، لم يُتح له استكمال الفصل الأول.
في المغرب، إن أردت أن تعيش بكرامة، فاختر العزلة. وإن رغبت في النجاة من المتابعة، فاملأ سلال المناصب بما شئت من صفات ومهام. أما العدالة؟ فهي الأخرى تنتظر رخصة الثقة… أو ربما موعدًا مؤجلًا في أجندة المنطق الغائب.
30/04/2025