في قلب مدينة طليطلة ( طوليدو ) الإسبانية ، حيث تتعانق الحضارات وتزدهر الذاكرة التاريخية، عاد مسجد تورنيرياس ليفتح أبوابه من جديد بعد 13 عامًا من الإغلاق، مستعيدًا بذلك أحد الرموز المعمارية الأندلسية النادرة في المدينة. هذا المعلم التاريخي أصبح اليوم مركزًا إقليميًا للصناعات التقليدية في كاستيا لا مانتشا، جامعًا بين عبق الماضي وحيوية الحاضر.
تُعد طليطلة واحدة من المدن القليلة في العالم التي تحتفظ بتراث ثقافي متنوع وغني، تجسده كنائسها التاريخية، معابدها اليهودية، وأزقتها التي توحي بأن الزمن قد توقف فيها. ومع ذلك، أضافت المدينة سببًا جديدًا لجذب الزوار، بإعادة افتتاح مسجد تورنيرياس، ليصبح نقطة التقاء جديدة بين الثقافة والدين والفن.
خضع المسجد لعملية ترميم دقيقة استغرقت ست سنوات، وتم تحويله إلى فضاء ثقافي يُعنى بالحرف التقليدية. وافتتح المركز نشاطه بمعرض مؤقت يسلّط الضوء على فن “الدمشقي الطليطلي”، وهو نوع من الزخرفة المعدنية يعتمد على ترصيع الذهب والفضة على الحديد أو الفولاذ، ويستمر المعرض حتى 10 يوليو. كما يضم المبنى مكتبًا رسميًا للسياحة، مما يعزز من دوره التثقيفي والخدمي.
يقع مسجد تورنيرياس في قلب المدينة القديمة، وتحديدًا في حي “أرابال دي لوس فرانكوس”، غير بعيد عن ساحة سولاريخوس، ويمكن الوصول إليه بسهولة. ورغم مساحته الصغيرة، إلا أن قيمته المعمارية والتاريخية تجعله من أبرز معالم طليطلة، فهو المسجد الأندلسي الوحيد المتبقي فيها.
يُبهر الداخل بتصميمه البسيط والأنيق، حيث تحتفظ الأعمدة الغرانيتية والأقواس نصف الدائرية وأقواس حدوة الحصان برونقها، مستحضرة جماليات العمارة الأموية. ومن أبرز ما يثير الانتباه داخل المسجد هو المحراب، الذي لا يتجه نحو مكة كما هو معتاد، مما فتح المجال أمام العديد من الفرضيات التاريخية حول أصل بنائه.
على مدار قرون، احتفظ المسجد بدوره الديني، حتى بعد سقوط الأندلس، إلى أن توقفت شعائره مع دخول الملكين الكاثوليكيين، ليُحوَّل لاحقًا إلى مبنى مدني استُخدم لأغراض شتى: ورشة نجارة، مسكن، متجر… واليوم، وبعد ترميمه، يعود إلى الحياة كمركز يُبرز المهارة الحرفية ويربط الزائرين بتاريخ المدينة المتجذر.
