في وقتٍ يظن فيه كثيرون أن الطب يقتصر على تشخيص الأمراض وإجراء العمليات، يثبت الطبيب المغربي منير محمد ميمون أن الإبداع في هذا المجال يمكن أن يتجاوز الجدران البيضاء للمستشفيات، ليصل إلى شاشات ألعاب الفيديو.
في إنجاز استثنائي، أبهر منير، ابن مدينة مالقا لأبوين من مليلية المحتلة، الحضور في المؤتمر الأوروبي الثالث والعشرين للطب الباطني، حيث نال مشروعه جائزة “المسار المهني المبكر”، عن لعبة فيديو مبتكرة تعلّم التشخيص الطبي والتواصل الإنساني مع المرضى وذويهم، في تجربة تفاعلية وتعليمية غير مسبوقة.
وُلد منير عام 1993 في مالقا ، واعتاد قضاء عطلاته الصيفية في مليلية، حيث عمل ذات صيف في مكتبة تديرها عمته. رغم تفوقه الدراسي، لم يتمكن من ولوج كلية الطب مباشرة، فبدأ بدراسة التشريح المرضي، قبل أن يُحقق حلمه لاحقًا بدراسة الطب، وينتقل إلى برشلونة للتخصص في الطب الباطني بمستشفى “كونسورسي سانيتاري دي تراسا”.
وخلال فترة نقاهته من إصابة في الكتف عام 2023، تساءل منير: “هل يمكن أن يتعلم الناس وهم يستمتعون؟”، فاستعاد خبرته السابقة في البرمجة التي اكتسبها في سن 16 عامًا، وبدأ في تصميم لعبته الطبية باستخدام يد واحدة فقط، مُكرّسًا لها ساعات يومية طوال شهرين، حتى قالت له مشرفته: “ما أنجزته قد يُحدث ثورة حقيقية”.
اللعبة مستوحاة من ألعاب “بوكيمون”، لكنها موجهة لتصحيح أخطاء الأطباء المقيمين في حالات حرجة كالأزمات القلبية والالتهابات، وتُدرب الممرضين على التعامل مع أمراض مثل فشل القلب والانسداد الرئوي المزمن. ولا تقتصر على الجانب الطبي البحت، بل تشمل مهارات أساسية في التواصل الإنساني مع المرضى.
“ما أمامك ليس مجرد تحاليل أو صور أشعة… بل أشخاص”، يقول منير، مُبرزًا الفلسفة الإنسانية التي تقوم عليها لعبته.
وحتى الآن، تركز اللعبة على قسم الطوارئ، لكن منير يطمح لتوسيعها لتشمل أقسامًا أخرى، كالجهاز الهضمي، العناية المركزة، بل وحتى سيناريوهات العمل في سيارات الإسعاف.
اللعبة تستهدف أساسًا طلاب الطب والتمريض والمشتغلين في القطاع، لكنها مصممة لتكون متاحة لكل من يرغب في التعلم. “لا تحتاج أن تكون لاعب كرة لتلعب FIFA، ولا رجل أعمال لتلعب Monopoly”، يقول مبتسمًا.
ورغم أن اللعبة لم تُطلق رسميًا بعد، إلا أن العمل جارٍ لتوفيرها عبر منصة إلكترونية تُستخدم في الجامعات والمستشفيات، ويأمل منير أن تصل إلى كل مناطق إسبانيا، خاصة مليلية التي يكنّ لها حبًا عميقًا، حيث تعمل عدد من قريباته في قطاع التمريض.
في ختام حديثه، لم ينسَ منير أن يشكر والديه، حفيظة وحسن، اللذين دعماه في رحلته الطويلة. يقول: “رؤية والديّ يفخران بما أنجزت هو أعظم مكافأة يمكن أن أحصل عليها”.أما عن لحظة تسلمه الجائزة وسط أسماء كبيرة، فيرويها بابتسامة عفوية: “بصراحة، لم أكن أعرف حتى لماذا تم اختياري، لكنني عرضت فكرتي، أحبّوها… ومنحوني الجائزة الأولى”.