بينما لا تزال إسبانيا تلتقط أنفاسها بعد انقطاع كهربائي واسع النطاق أصاب أجزاء كبيرة من البلاد بالشلل يوم الإثنين الماضي، تتزايد التساؤلات داخل الأوساط التقنية والسياسية حول الأسباب الحقيقية لهذا الخلل غير المسبوق، في وقت تتوالى فيه التصريحات الرسمية التي لا تزال عاجزة عن تقديم إجابات شافية.
في هذا السياق، أدلى دانييل بيريز، المدير العام لشركة الطاقة العمومية الكتالونية “L’Energètica”، بحوار خاص لجريدة La Vanguardia، شدد فيه على أن “ما لا نعرفه اليوم ليس إخفاءً، وإنما جهل تقني مؤقت نعمل على كشفه”.
الخلل، الذي انطلق على الساعة 12:33 زوالًا، يُعتقد أنه ناتج عن توقف مفاجئ لمحطة توليد كهرباء في منطقة إكستريمادورا. وبينما جرى التحكم في المرحلة الأولى من الخلل، سرعان ما تدهورت الأوضاع بعد ثانية ونصف فقط، حيث تأثرت ترددات الشبكة بشكل حاد، ما دفع فرنسا إلى عزل شبكتها عن إسبانيا بعد أقل من أربع ثوانٍ، تجنبًا لتضرر منشآتها.
وقد ترتب عن هذا الفصل المفاجئ انهيار أكثر من 60% من القدرة الإنتاجية للطاقة في الشبكة الإسبانية، مما أحدث ارتباكًا واسعًا وانقطاعات كبيرة في التيار الكهربائي.
بالنسبة للمغرب، الذي تربطه علاقات استراتيجية مع إسبانيا في مجالات الطاقة والتعاون الكهربائي، تفتح هذه الأزمة الباب للتفكير الجدي في تعزيز قدراته الطاقية الذاتية، وتوسيع استثماراته في الطاقات المتجددة مع الحرص على تطوير أنظمة الحماية الذكية.
ومع وجود ما يقارب 60 ألف نقطة توليد كهربائي موزعة عبر إسبانيا، فإن تتبع مصدر الخلل وتحليل سلوكه في غضون ثوانٍ يبقى تحديًا تقنيًا بالغ التعقيد. رغم ذلك، أبدى بيريز تفاؤله بقدرة السلطات التقنية على تحديد النقطة الحرجة في الساعات أو الأيام المقبلة.
وفي معرض حديثه عن العلاقة المحتملة بين الطاقات المتجددة والانهيار، فنّد بيريز كل الادعاءات التي تحمل الرياح والشمس مسؤولية ما جرى، موضحًا أن المشكل يكمن في غياب وسائل تضمن استقرار التردد الكهربائي، وليس في مصادر الطاقة نفسها.
وحسبه، فإن الانتقال الطاقي لا يمكن أن ينجح بدون استثمار مواكب في تكنولوجيات التخزين مثل البطاريات الصناعية ومحطات الضخّ الهيدروليكي، ما يتيح التحكم في الفائض وتوزيعه حسب الطلب.
وفي ظل تصاعد الجدل حول تقليص الاعتماد على الطاقة النووية، خصوصًا في كتالونيا، دعا بيريز إلى عدم خلط الأوراق، مؤكدًا أن الحادث لا علاقة له بخيارات الانتقال الطاقي، بل هو نتاج خلل برمجي ونقص في الأنظمة الوقائية.
رسالة بيريز في ختام الحوار كانت واضحة: لا بد من إرساء منظومة طاقية مرنة وذكية، تتكامل فيها مصادر الإنتاج الحديثة مع أنظمة التخزين والتوزيع، لتحقيق أمن طاقي وطني مستقل ومستدام.
الرسالة التي ينبغي للمغرب أن يستوعبها من هذه الأزمة، هي أن أمن الطاقة لا يقف عند الإنتاج فقط، بل يمتد إلى جودة البنية التحتية الرقمية والفيزيائية، وسرعة الاستجابة للخلل. وبينما يواصل المغرب تطوير استراتيجيته الطاقية الرائدة في إفريقيا، فإن تعزيز صلابة منظومته الوقائية، وتوسيع قدراته في التخزين والتحكم، يجب أن يكون في قلب الأولويات الوطنية.
03/05/2025