في لحظة نادرة من التاريخ الأكاديمي الجزائري، قبل أن تُبتلى الجزائر بجوقة “الخبراء في قطع الأوصال”، صدر عام 1914 عن كلية الآداب بالجزائر العاصمة معجم فرنسي-أمازيغي يخص لهجة بني سنوس التلمسانية، تلك المنطقة التي يبدو أنها نسيت أن تتبع نص التعليمات الصارمة التي تقضي بقطع كل ما يمت بصلة إلى الجار المغربي!
المعجم، في تحدٍّ ساخر للأبواق التي لا تنام، لا يكتفي بتوثيق المفردات الأمازيغية المحلية، بل يرتكب “جريمة ثقافية” كبرى – حسب المقاييس الرسمية لجمهورية الإنكار – حين يقرّ بأن القفطان، هذا الرمز الأنيق للباس التقليدي، مغربي الأصل. ويا للمفاجأة، الحايك أيضًا؟ نعم، من المغرب الأقصى، حسب المؤلف الذي، ولحسن حظه، عاش قبل أن يُتهم بالخيانة العظمى أو “التغريب اللغوي”.
كيف يمكن لمعجم عمره أكثر من قرن، طُبع في قلب العاصمة الجزائرية، أن يُفلت من مقص الرقيب؟ وكيف لم يُسحب من رفوف المكتبات باعتباره “تهديدًا للوحدة الوطنية”؟ لعل الجواب ببساطة هو أن التاريخ لا يستأذن أحدًا حين يقرر أن يكشف الحقائق.
هذا المعجم، إذن، ليس مجرد جهد لغوي عابر، بل صفعة ناعمة (وإن كانت مؤرشفة) في وجه كل من يجهد نفسه يوميًا في صياغة نظريات الانفصال الثقافي، ممن يرون في كلمة “المغرب” مادة مشتعلة تستدعي بيانات طارئة وتوضيحات من وزارة “التنكر للتاريخ”.
أليس من الطريف – والمبكي في آن – أن تكون تلمسان، بكل ما تحمله من نفَس مغربي أصيل، شاهدة على هذا الامتداد الثقافي الطبيعي، بينما تصرّ الأبواق على رسم الحدود حتى بين الكلمات واللهجات؟ كم يحتاج هؤلاء من معاجم وتواريخ ليفهموا أن التراث لا يعترف بخطوط سايكس بيكو، وأن الثقافة لا تصدر أوامر عسكرية؟
04/05/2025