في سابقة تنموية تعكس تحولًا عميقًا في تدبير الشأن المحلي، شهد إقليم الناظور توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية وغير مسبوقة، تهدف إلى تحسين جودة الخدمات الصحية وتعزيز الموارد البشرية الطبية، خاصة في المناطق القروية والمهمشة. لم تكن هذه الاتفاقية وليدة الصدفة، بل جاءت كثمرة لرؤية شمولية وتنسيق متعدد الأطراف، بمبادرة وإشراف مباشر من عامل الإقليم، المهندس جمال الشعراني، الذي أبان عن قيادة استثنائية وروح تواصلية جمعت حولها الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين على طاولة واحدة.
في زمن تُساءَل فيه نجاعة المؤسسات العمومية، برز اسم العامل جمال الشعراني كقائد ميداني استطاع أن ينقل الفكرة من حيز التنظير إلى واقع ملموس، من خلال مشروع متكامل يمتد على ثلاث سنوات (2025–2027) وبتكلفة إجمالية تفوق 9 ملايين درهم. لم يكن دوره رمزياً أو بروتوكولياً، بل كان حاسماً في بلورة الرؤية، وتوحيد الجهود، وتجاوز العقبات التقنية والإدارية.
هذا الدور الريادي جعله المهندس الفعلي للاتفاقية، حيث تولّى التنسيق مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والمجلس الإقليمي، والجماعات الترابية (الناظور، العروي، زايو)، والمندوبية الإقليمية للصحة، ومجموعة من الفاعلين المدنيين، من أبرزهم الدكتور مصطفى أعزيوز، رئيس مؤسسة أصدقاء القلب والشرايين، التي أضحت علامة فارقة في مجال الصحة العمومية، وقدّمت نموذجًا واعدًا لشراكة ميدانية مثمرة. كما كان لمندوبة وزارة الصحة بالناظور دور محوري في التنزيل العملي وتعبئة الأطر الصحية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدينامية لم تنطلق من فراغ، إذ تعود جذورها إلى مرحلة العامل السابق علي خليل، الذي وضع اللبنات الأولى لهذا التوجه، قبل أن تتوسع وتنهض بشكل فعّال في عهد جمال الشعراني، الذي نقلها إلى مستوى أعلى من النجاعة والابتكار.
وأخيرًا، وقع وزير الصحة العمومية الاتفاقية، في خطوة تؤكد دعم الحكومة لهذا النموذج المحلي المتجدد.
ترتكز الاتفاقية على أربعة محاور رئيسية:
-تعبئة الموارد البشرية: التعاقد مع أطباء وممرضين وممرضات لتغطية الخصاص، بناءً على حاجيات دقيقة ومحددة.
-تحسين الأداء المهني: من خلال التكوين المستمر والتتبع الميداني لجودة الخدمات.
-التوزيع العادل: ضمان وصول الخدمات إلى المناطق القروية والمستوصفات النائية.
-برنامج تواصلي: لتقريب الخدمات من المواطن، وتحسين صورة القطاع الصحي بمشاركة فعالة من المجتمع المدني.
ويتم إعداد لوائح الأطر الطبية بشفافية، تحت إشراف مشترك بين المديرية الجهوية للصحة والمندوبية الإقليمية، لضمان استقطاب الكفاءات المؤهلة.
التمويل السنوي للمشروع يعكس روح التآزر المؤسساتي:
-وزارة الصحة: 1.500.000 درهم سنويًا
-المجلس الإقليمي: 600.000 درهم
-جماعة الناظور: 500.000 درهم
-جماعة العروي: 300.000 درهم
-جماعة زايو: 300.000 درهم
هذا التنسيق المالي يدل على وجود وعي جماعي بأن الاستثمار في الصحة ليس ترفًا، بل ضرورة اجتماعية واقتصادية، خاصة في ظل المطالب المتزايدة للمواطنين بتحقيق العدالة المجالية في الولوج إلى الخدمات الأساسية.
تلتزم الوزارة بتوفير الأجور والتعويضات، والإشراف على عملية الانتقاء، مع التنسيق المستمر مع الجماعات الترابية لضمان الاستهداف السليم. كما سيُعهد للبرنامج بتتبع يومي لأداء الموارد البشرية المتعاقد معها، عبر لجان مختلطة.
تأتي هذه الاتفاقية في وقت تواجه فيه منظومة الصحة تحديات كبيرة، سواء من حيث الخصاص في الأطر أو ضعف البنيات التحتية. لكنها تُعيد الأمل في إمكانية تجاوز هذه الإكراهات حينما تتوفر الإرادة السياسية، وتتضافر جهود السلطات والمنتخبين والمجتمع المدني.
ويُحسب للعامل جمال الشعراني أنه قدم نموذجًا حيًا لما يجب أن تكون عليه السلطة الترابية الحديثة: فاعلة، مبادرة، قريبة من المواطن، ومؤمنة بأن التنمية تبدأ من الصحة، والتعليم، والكرامة.
ما تشهده الناظور اليوم ليس فقط اتفاقية شراكة، بل بداية تحول في طريقة تدبير القطاع الصحي، نحو مزيد من الشفافية، القرب، والفعالية. إنها دعوة لباقي الأقاليم للاقتداء بهذا النموذج، حيث تكون السلطة الترابية رافعة للتنمية، لا مجرد وسيط إداري.
المواطنون في الناظور اليوم أكثر ثقة، لأن هناك من يستمع إليهم، ويخطط من أجلهم، ويعمل ميدانيًا لتحقيق كرامتهم الصحية.
08/05/2025