kawalisrif@hotmail.com

حين قال جندي للحسن الثاني : “الله يخرج سربيسك على خير” … كلمة جندي هزّت مشاعر الملك !

حين قال جندي للحسن الثاني : “الله يخرج سربيسك على خير” … كلمة جندي هزّت مشاعر الملك !

في زمن التحديات الكبرى، حين كانت رياح الغدر تهب على رمال الصحراء المغربية، وحين كانت الجلسات الملكية لا تقتصر على البروتوكول، بل كانت ساحات لتقييم صمود الرجال، انعقدت جلسة من الجلسات الشهرية التي اعتاد الراحل الحسن الثاني، أن يجتمع خلالها بكبار ضباط الأركان، ليطالع خريطة الدفاع، ويتأمل في ملامح الثبات وسط العواصف.

في تلك الجلسة، حيث كان الصمت يلف القاعة، انبرى أحد الجنرالات ليسرد واقعة غريبة في شجاعتها، عظيمة في رمزيتها. قالها بصوت يملأه الفخر: “جندي من جنودنا، خرج ليلاً وحده إلى عمق الصحراء… لم ينتظر أوامر، لم يطلب مؤازرة، كان قلبه دليله، وسلاحه رفيقه… اصطاد ثلاثة من عناصر العدو كانوا يتحركون بسيارات رباعية الدفع، وأعاد للميدان هيبته”.

ساد الصمت، ثم انطلقت من الملك عبارة ما زالت ترددها جدران القاعة إلى اليوم: “هكذا يكون الرجال”.

لكن القصة لم تنتهِ هناك. فعندما انعقد الاجتماع الموالي، عاد الجنرال ليكمل الرواية، وقد أصبح الجندي بطلًا في نظر رفاقه: “لقد نفذ عملية أخرى أكثر جرأة يا مولاي… توغل في عمق الصحراء، ونجح في قلب مدرعة للعدو، وألقى قنبلة في قلبها… شجاعة تكاد تكون أسطورية”.

هنا، لم يُخفِ الملك اندهاشه، فقد رأى في هذه الأفعال بطولة نادرة. أمر بإحضار الجندي فورًا. وهكذا، غادرت طائرة عسكرية الرباط نحو الرمال، لتجلب رجلًا بسيطًا، قادمًا من قسوة الميدان وصمت المتاريس.

وصل الجندي إلى العاصمة، وكان لا يزال يحمل في ملامحه قسوة الشمس، وفي عينيه بريق المعركة. جرى تحضيره لاستقبال يليق بمقام ملكي: حمام ساخن يزيل غبار المعارك، حلة نظيفة، وتهذيب دقيق للحيته الكثيفة، التي تشهد على ليالٍ طويلة قضاها في الصحراء.

وعندما وقف أمام الملك، وقف الزمن لحظة. خرج الحسن الثاني من قاعة الاجتماعات، وتقدم نحو الجندي، صافحه بحرارة، ونظر إليه بعين القائد الذي يعترف برجولة المحارب، وقال له بلهجة يملؤها الاعتزاز:

“هكذا تُصان الأرض، وهكذا يُصنع المجد”.

ثم، وفي لحظة ستُخلدها الذاكرة، طلب الملك من الجندي أن يدعو له. ارتبك الجندي، توقف الزمن في قلبه، وتلعثمت الكلمات على لسانه. لم يكن يتوقع هذا الطلب من ملك البلاد. أمام هيبة الموقف، ووسط نظرات الجنرالات والضباط، خرجت منه جملة مغربية خالصة، صادقة حدّ الرجفة:

“الله يخرج سربيسك على خير”.

ضحك الحسن الثاني، ضحكة أبٍ فخور بولده. لم تكن الضحكة سخرية، بل إعجابًا بعفوية هذا البطل، وبدعائه الصادق الذي خرج من صلب الأرض.

هكذا، لم يكن اللقاء بين جندي وملك، بل كان بين وطن ورجاله. بين قمة القرار وقاع الخنادق. بين من يرسم الخطط، ومن ينفذها بدمه وعرقه وإيمانه.

وقد ظلّت قصة هذا الجندي تروى، لا كحادثة، بل كأسطورة… تذكرنا بأن البطولة لا تُشترى، ولا تُصطنع، بل تولد من رحم الخطر، وتُصقل في لهيب الميدان .

08/05/2025

Related Posts