وأخيرًا، وبعد طول سبات، استيقظت “العدالة” ـ إن جاز التعبير ـ وقررت أن تأخذ نزهة قصيرة من مقرها في الدار البيضاء إلى الناظور. لا، ليس من أجل البحر ولا الشواطئ، بل لزيارة ملفات “الفساد العقاري” التي فاحت رائحتها حتى أزعجت ذوق القانون.
سبعة ملفات، يا سادة، ليست واحدة ولا اثنتين. سبعة! والعدد مرشح للارتفاع، فالناظور – على ما يبدو – كان في عهد بعض المسؤولين السابقين أشبه بسوق أسبوعي: وزع، بارك، و”سلم” وكأن الأمر لا يتعلق بتصاميم عمرانية، بل بطواجن فخار.
خذوا على سبيل المثال لا الحصر، تجزئة بحي الفطواكي. سلمت لها شهادة التسليم المؤقت “بسلاسة” في عهد المجلس الجماعي السابق ، وبتأشير من قسم التعمير، رغم عدم إكتمالها ، وعدم تزفيت شوارعها ، لمالكها المعماري ـ ويا للصدف ! ـ عز الدين الحموتي. مهندس يسلم لمهندس ؟ يبدو أن الكفاءة هنا تُقاس بعدد الاجتماعات “الودية” خلف الأبواب المغلقة، لا بالتصاميم ولا بالقوانين.
أما حي المطار، فله طعم خاص. عمارة شُيدت قبالة مدرسة الرسالة – وكأنها رسالة مشفّرة في حد ذاتها – باسم المقاول جمال المعروف ب “البوليساريو”. نعم، لا تعليق، فالأسماء وحدها أحيانًا تقول كل شيء. كيف تم تمرير الرخص؟ من صادق؟ من غضّ البصر؟ كلها أسئلة تتلوى داخل دفاتر الفرقة الوطنية.
ولأن “الفساد لا ينام”، ننتقل سريعًا إلى شارع المسيرة. عمارة الريف تقف هناك كأنها تقول “أنا هنا رمز المرحلة”. لكن خلف الواجهة الأسمنتية، تدور حكايات أقرب إلى سيناريوهات أفلام العصابات، بعد بناء ممر الراجلين على “الطروطوار” ، مع فارق أن المخرج هو دائما فسم التعمير .
الفرقة الوطنية، بكل وقارها وبذلاتها الرسمية، لا تزال تقلب الملفات، تبحث بين السطور، وربما تتساءل: هل نحن في مدينة أم في مزاد علني مغلق؟ وماذا عن التبعات؟ عن المحاسبة؟ عن السجن؟ أم أن كل شيء سينتهي بتقارير تُنسى في أدراج مظلمة كما نُسيت من قبلها ملفات سابقة؟
في الانتظار، تبقى الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن الناظور لم تكن فقط ضحية مسؤولين، بل كانت مسرحًا لصمت مدوٍّ، ساهم في جعل الفساد جزءًا من هندسة المدينة. فمن يدري؟ قد نحتاج يومًا ترخيصًا لمجرد قول الحقيقة.
10/05/2025