في ظل التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، تُطرح تساؤلات جادة حول مستقبل ما يُسمى بجبهة البوليساريو، وهل ستُقدم على خطوة تاريخية تُشبه تلك التي أقدمت عليها منظمة “إيتا” الباسكية في إسبانيا، أو حزب العمال الكردستاني في تركيا، وتُعلن التخلي عن خيار العنف لصالح الحلول السياسية التوافقية؟
تأتي هذه التساؤلات في أعقاب إعلان حزب العمال الكردستاني نيته حلّ نفسه رسميًا، استجابة لدعوة زعيمه الرمزي عبد الله أوجلان – المعتقل منذ عام 1999 – بأن يُنهي أنصاره الكفاح المسلح ويتبنون المسار السلمي. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحزب مُصنف كتنظيم إرهابي من قِبل أنقرة وعدد من العواصم الأوروبية، ما يعكس حجم التحول في موقفه.
في السياق ذاته، عبّر الشريف محمد، العضو السابق في البوليساريو والمنضم لاحقًا إلى “حركة صحراويون من أجل السلام”، عن تشاؤمه إزاء قدرة الجبهة على تبني نهج مماثل، معتبرًا أنها “مجرد أداة في يد النظام الجزائري”، تُوظف لخدمة مصالح هذا الأخير الإقليمية، بدلًا من التعبير عن تطلعات الصحراويين الحقيقية.
وأضاف الشريف محمد أن “البوليساريو ليست فقط غير ديمقراطية، بل تلجأ إلى القمع الشديد في مواجهة أي صوت مخالف، وهو ما يُطيل أمد النزاع ويُجهض أي فرصة لحوار داخلي حقيقي”.
ومن جهته، اعتبر البشير الدخيل، أحد مؤسسي البوليساريو، أن الجبهة تفتقر إلى الاستقلالية في اتخاذ القرار، مشددًا على أن “الجزائر هي صاحبة الكلمة الفصل في مخيمات تندوف”، ما يجعل من الصعب تصور قرار بالتحول نحو السلم دون موافقة جزائرية مسبقة.
وأشار الدخيل إلى أن سكان المخيمات يُستغلون كورقة ضغط إقليمية، موضحًا أن “التركيبة السكانية داخل تندوف لا تُعبر بدقة عن الصحراويين الأصليين، إذ تضم عناصر وافدة من دول مجاورة، ما يزيد من تعقيد المشهد”.
واستحضر الدخيل تجربة “إيتا”، التي ألقت السلاح في 2018 بعد أن فقدت الدعم الفرنسي وتراجعت شعبيتها في الداخل الإسباني، لافتًا إلى أن استمرار دعم الجزائر للبوليساريو هو ما يُعرقل أي تحوّل مشابه.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن إلقاء السلاح من طرف جبهة البوليساريو ليس مسألة إرادة داخلية بقدر ما هو رهين بحسابات إقليمية معقدة. وبينما اختارت منظمات مسلحة كبرى حول العالم طريق المصالحة والسلم، تُصرّ البوليساريو على البقاء في دائرة العنف والارتهان. فهل ستدرك في يوم ما أن التغيير لا يبدأ بالسلاح، بل بالإرادة الحرة والحوار الشجاع؟ أم أن مصيرها سيكون التآكل البطيء في ظل عالم لم يعد يتسامح مع المشاريع الانفصالية المُسلّحة؟
11/05/2025