في واحدة من خرجاته المألوفة التي تجمع بين التهويل ودراما الضحية، خرج دانييل فينتورا، مستشار البيئة في حكومة الاحتلال المحلي بمليلية المغربية، ليشجب ـ بصوت مرتفع ونبرة لا تخلو من الغرابة ـ قرار الحكومة الإسبانية استثمار 340 مليون يورو في بناء محطة لتحلية المياه في مدينة الدار البيضاء المغربية. واصفًا القرار بـ”الجنون”، يبدو أن فينتورا يعتبر كل ما لا يصب في مصلحة سلطته في مليلية تصرفًا غير عقلاني… حتى لو تعلق الأمر بدولة ذات سيادة تُدبِّر شؤونها كما تشاء!
فينتورا، الذي اعتاد تقديم مليلية وكأنها قلب الإمبراطورية الإسبانية النابض، استشاط غضبًا لأنه ـ حسب قوله ـ لم يحصل على 12 مليون يورو فقط لإصلاح محطة تحلية متهالكة تجاوز عمرها 18 سنة. وبينما يصف البنية التحتية في مدينته بـ”المهددة”، لم يتوانَ عن انتقاد استثمارات تُخصص لدولة جارة ذات سيادة تُعاني هي الأخرى من أزمة مياه خانقة، وتعمل على مواجهتها بخطط واضحة وناجعة.
وفي لحظة درامية مكررة، صرّح المستشار بأن مليلية أشبه بـ”جزيرة”، وكأن الإسبان قد نسوها في عرض البحر. لكنه لم يوضح كيف تحولت هذه “الجزيرة” فجأة إلى أولوية تفوق مصلحة دولة بأكملها كالمغرب، الذي يواجه تحديات مناخية ومائية تتطلب تدخلات بنيوية كبرى، مثل مشروع محطة الدار البيضاء، أحد أكبر مشاريع التحلية في إفريقيا.
الحقيقة التي يحاول فينتورا القفز عليها، أن المغرب، بحكم موقعه الجغرافي وكثافته السكانية وتنوع مناخه، يواجه تحديات مائية حقيقية. ولهذا السبب، تستثمر الحكومة المغربية في مشاريع ضخمة لتأمين المستقبل المائي للملايين، لا فقط لسكان أحياء صغيرة هنا وهناك.
أما مليلية، فهي ببساطة مدينة محتلة تعيش خارج سياق الشرعية الدولية، ولا عجب أن تتجاهلها مدريد حين يتعلق الأمر باستثمارات ضخمة، فالوضع القانوني والسياسي للمدينة ـ والذي يتجنّب فينتورا الخوض فيه ـ يفرض أولويات مختلفة.
المثير للسخرية أن فينتورا، عوضًا عن مساءلة حكومته المركزية عن فشلها في تدبير شؤون مدينة يدّعي تبعيتها، قرر الهجوم على المغرب فقط لأنه قرر أن يستثمر في أمنه المائي. وبالطبع، لم ينسَ تحميل الحزب الاشتراكي ومندوبة الحكومة في المدينة كامل المسؤولية، في محاولة لتسجيل نقاط سياسية داخلية، كما لو أن مدريد ستُسارع بعد تصريحه إلى توقيع شيك مفتوح لمليلية!
رسالة فينتورا إلى الحكومة الإسبانية وصلت، ولكن رسالتنا نحن أوضح: المغرب يستثمر في مياهه، في شعبه، وفي مدنه الكبرى، لأن السيادة تُمارَس بالفعل لا بالشكاوى. أما مليلية، فتبقى مدينة مغربية تنتظر العودة إلى وطنها الأم، حيث ستُعامل كمواطنة لا كـ”جزيرة مهجورة”، وساعتها… لن يحتاج سكانها إلى التوسل لفيـنتورا أو غيره.
تنبيه أخير لفيـنتورا: المياه التي تشربها مليلية… مغربية الأصل!
قبل أن يُكثر المستشار فينتورا من الضجيج السياسي، لعلّه يحتاج إلى من يُذكّره بحقيقة جغرافية بسيطة: مليلية، التي يدّعي الدفاع عنها، تعتمد منذ سنوات على المياه الجوفية القادمة من باطن التراب المغربي، وتحديدًا من مناطق طرارة ببني شيكر، وإياسينن بفرخانة، حيث يتم ضخ المياه وتوجيهها نحو الحنفيات العمومية في المدينة المحتلة.
فهل نسي المستشار أن الماء الذي يرتوي به المغاربة القاطنون وسكان مليلية، اليوم، هو ماء مغربي الأصل والمنبع؟ وهل يعقل أن يُزايد على بلد لا يكتفي بتأمين حاجاته، بل يُغذّي حتى مدينة تحت الاحتلال؟ تلك هي السيادة الفعلية التي يُمارسها المغرب بصمت وفعالية، بينما يكتفي أمثاله بالتصريحات المتشنجة.
السيادة لا تُقاس بالتصريحات … بل بالقدرة على تأمين الحياة.
13/05/2025