في مشهد أقرب إلى لقطات أفلام الجاسوسية، هبطت طائرة هليكوبتر تابعة للحرس المدني الإسباني، من طراز H135 وتحمل الاسم “Cuco317″، بشكل مفاجئ وغير مبرر على مدرج مطار جبل طارق يوم 7 مايو، في تمام الساعة 12:31 ظهرًا، قبل أن تقلع بعد 45 دقيقة فقط باتجاه قاعدة روتا العسكرية. لكن ما الذي كانت تفعله هناك؟ ومن كان على متنها؟ الأسئلة تتكاثر والإجابات تغيب.
رغم المحاولات الحثيثة من صحيفة إسبانية للحصول على تفسيرات من وزارات الداخلية والخارجية الإسبانية، ومن مندوبية الحكومة في قادش، وحتى من السفارة البريطانية، فإن الصمت هو الجواب الوحيد حتى الآن. المفاجأة الأكبر جاءت من حكومة جبل طارق نفسها، التي نفت علمها بالواقعة، في وقت تؤكد فيه سجلات الرحلات الجوية العامة مرور المروحية بالمطار في التوقيت ذاته، إلى جانب رحلات معتادة لشركتي بريتيش إيرويز وإيزي جيت.
مطار جبل طارق ليس كأي مطار… إنه قاعدة عسكرية خاضعة بالكامل لسلاح الجو الملكي البريطاني (RAF)، وموقع دائم للتوتر السياسي بين مدريد ولندن. وجود طائرة تابعة للحرس المدني الإسباني في هذه المنطقة الحساسة، ولو لدقائق، يُعتبر خرقًا غير مسبوق قد يُعيد فتح ملفات شائكة بين البلدين، خاصة في ظل تعثر مفاوضات ما بعد بريكست المتعلقة بإدماج جبل طارق في فضاء شنغن.
“لا لأقدام إسبانية على أرض جبل طارق!” هكذا عبّر رئيس وزراء جبل طارق، فابيان بيكاردو، في تصريحات سابقة، ليؤكد موقفًا صارمًا تجاه أي وجود إسباني رسمي في المستعمرة البريطانية، وهو ما يجعل حادثة Cuco317 أكثر غرابة وغموضًا.
الحادثة الوحيدة المشابهة تعود إلى 1993، حين اضطرت مقاتلتان إسبانيتان من نوع “هارير” للهبوط في مطار جبل طارق بسبب “خلل فني”. فهل نحن أمام طارئ تقني جديد؟ أم وراء الهبوط مهمة خاصة… لا ترغب الجهات المعنية في الكشف عنها؟
الطائرة المعنية ليست عادية، فهي من نوع H135 التي تصنّعها شركة إيرباص، وتتميز بقدرتها على المناورة والمهام المتعددة، وتُستخدم عادة في العمليات الأمنية المعقدة. تتسع لستة ركاب إلى جانب الطيارين، وتحمل حتى 1450 كغ، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لمهام لا تُترك للصدفة.
بُني مطار جبل طارق على أراضٍ تعتبرها إسبانيا مغتصبة، ولم تتنازل عنها يومًا في معاهدة أوترخت. لذا، فإن أي نشاط إسباني فيه، حتى ولو لبضع دقائق، يعتبر حدثًا حساسًا قد يُعيد إشعال نار خلافات لم تخمد أبدًا.
فهل كان هبوط Cuco317 مجرد طارئ تقني؟ أم رسالة مشفرة في صراع السيادة ؟
الأسئلة تُطرح، والصمت الرسمي يُزيد من الغموض… والحدث قد يكون بداية فصل جديد في رواية جبل طارق المتواصلة.
14/05/2025