وُلد الشريف محمد أمزيان حوالي سنة 1860 بأزغنغن / قبيلة أيت بويفرور، جنوب مليلية المحتلة، وتربى في كنف أسرة شريفة تعود أنسابها إلى الحسن بن علي وفاطمة الزهراء بنت الرسول. نشأ على تعاليم القرآن في زاوية والده، سيدي أحمد بن عبد السلام، التي ورث زعامتها لاحقاً، واشتهر بتجارة الماشية التي مكنته من التنقل بين المغرب والجزائر وربط علاقات واسعة مع القبائل. لما كان يتسم به من التواضع والورع والكرم، لقي احتراماً كبيراً من القبائل، فتزوج من كبدانة التي احتضنت فرعاً لزاويته في موقع برج سيدي بشير. كما برز دوره في الوساطة الاجتماعية بين المتخاصمين، حتى صار ملاذاً للمسافرين، الذين وجدوا فيه “زطاطاً” أميناً يقيهم أخطار الطريق.
مع بروز حركة بوحمارة المناوئة للسلطان المولى عبد العزيز، اتخذ الشريف أمزيان موقفاً صلباً مناهضاً للفتان الجيلالي الزرهوني، فواجهه بالكلمة والسلاح، محذراً القبائل من أكاذيبه ومطالباً بالولاء للسلطان الشرعي. وحين أصبح هدفاً لملاحقات بوحمارة، فرّ إلى معسكر الجيش السلطاني بمنطقة ملوية، مشاركاً في القتال إلى أن أُنهك الجيش بفعل انقطاع الدعم، فلجأ إلى مليلية المحتلة. وهناك واصل تحريضه ضد بوحمارة سراً وضد الإسبان علانية، حتى تمكن من العودة إلى قبيلته وحشد التأييد لمبايعة السلطان الجديد، المولى عبد الحفيظ، وهو ما أدى إلى انسحاب بوحمارة من سلوان، وتكريس الشريف قائداً موحداً للقبائل في أكتوبر 1908. ورغم المحاولات الإسبانية لاستمالته، ظل رافضاً لأي اتفاق لا يمر عبر السلطان، معلناً: “لا نفرط في شبر من أرضنا ليطأها الجندي الإسباني”.
انطلقت شرارة المقاومة المسلحة بقيادة الشريف أمزيان في يوليوز 1909 حين هاجم ورشات بناء السكة الحديدية التي كانت تربط مناجم آيت بويفرور بميناء مليلية ، وردّ الجيش الإسباني باحتلال مواقع جنوب المدينة، لتندلع مواجهات شرسة ألحقت بالمحتل خسائر فادحة، أبرزها في معركة وادي الذئب “EL Barranco del Lobo”. وتوالت الانتصارات في “سوق الخميس” رغم تفوق العدو عدداً وعتاداً. ومع توقيع المغرب على اتفاق مدريد سنة 1910، واصل الشريف المقاومة من قبيلة بني سعيد، مؤسّساً جبهة هجومية أربكت الإسبان وأجبرت وزير حربهم على تولي القيادة ميدانياً.
وفي لحظة فارقة، وبينما كان الشريف في جولة استطلاعية يوم 15 ماي 1912، باغته رصاص من جنود مجندين منتمين لقبيلة قلعية في صفوف العدو، فسقط شهيداً، تاركاً فراغاً مؤلماً في صفوف القبائل التي رأت فيه رمز وحدتها وصوت كرامتها.
16/05/2025