kawalisrif@hotmail.com

الكاتب العام للعمالة يغادر دون لباقة والقنصل الإسباني يتبعه … معرض الكتاب الجهوي بالناظور… أخطاء تنظيمية لا تغتفر !

الكاتب العام للعمالة يغادر دون لباقة والقنصل الإسباني يتبعه … معرض الكتاب الجهوي بالناظور… أخطاء تنظيمية لا تغتفر !

عاش معرض الكتاب الجهوي بالناظور لحظات من العبث المُنظَّم بعناية، حيث اجتمعت العتمة، وسوء التنظيم، والارتباك البروتوكولي، في لوحة سريالية تُهدى لكل من لا يزال يعتقد أن الثقافة في المغرب تسير على السكة الصحيحة.

بدأت المهزلة من بابها العريض، بما يشبه “افتتاحية في فن خرق البروتوكول”، حين قرّر الكاتب العام لعمالة الناظور ، أن يتقمّص دور البطل الرئيسي. فبعد قص الشريط الرمزي وتجواله في أروقة المعرض ومشاركته في مراسم الافتتاح، جلس على المنصة منهكًا لتسلُّم درع التكريم ، بكل ثقة و”احترافية”. وبعد نفاد الدروع التكريمية، غادر المنصة على عجل دون أن يُعلن رفع الجلسة أو اختتامها، أو يُرافق الضيوف، أو حتى يبتسم للقنصل الإسباني، الذي بدا وكأنه نُقل فجأة إلى كواليس مسرحية مرتجلة. أما القنصل ومدير فرع معهد سيربانتيس بفاس، فكانا جالسَين على الأريكة، قبل أن ينتبها إلى الورطة ويبادران بالانسحاب.

تصرف أثار دهشة الحاضرين، ودفع البعض إلى التساؤل عمّا إذا كانت هناك دورة تكوينية مسبقة في فن “الانسحاب التكتيكي”.

وقد بدا غياب مدير الديوان ومسؤول البروتوكول بالعمالة واضحًا، وكانت النتيجة محسومة منذ صافرة البداية: هدف في مرمى التنظيم.

لكن هذه الزلة البروتوكولية لم تكن سوى مقدّمة لحفل آخر … أكثر ظلمة من حيث الشكل والمضمون. ففي قلب المعرض، نُظّمت يوم الثلاثاء ندوة علمية بعنوان: “التراث المعماري للقرن العشرين في مدينة الناظور وإقليمها”، بشراكة مع معهد ثيربانتس، قدّمها الباحث الإسباني أنطونيو برافو نيتو.

ندوة كان من المفترض أن تكون لحظة إشعاع فكري، لكن القدر – ومعه المكتب الوطني للكهرباء – قرّرا غير ذلك.

ففي ذروة المحاضرة، انقطع التيار الكهربائي بشكل كامل، لتغرق القاعة في عتمة رمزية جسّدت، على نحو ساخر، حال المشهد الثقافي برمّته.

لا مكبرات صوت، لا مصابيح، لا جمهور يُذكر، ولا حتى شمعة صغيرة تحفظ ماء وجه “الفعالية”. بدت المنصة، في تلك اللحظة، أقرب إلى خيمة عزاء منسية منها إلى فضاء للنقاش الثقافي.

أما الجمهور، فكان نادرًا كقطرات المطر في غشت ، وكأن الإعلان عن الندوة نُشر في نشرة جوية سرّية على قناة ناطقة بالإغريقية القديمة.

أما اللجنة المنظمة، فبدت وكأنها تستمتع بلعبة “الكراسي الموسيقية”. فكلما ظهرت كاميرا، أسرع المنظمون إلى ملء المقاعد الشاغرة بوجوه مألوفة تتقن التصفيق عند الاقتضاء، والتقاط صور “ثقافية” عند الضرورة، دون إغفال النفخ في الفواتير من طرف الشابَّين “الظريفَين”: المدير الجهوي والموظف الإقليمي.

ورغم كل شيء، أبدى القنصل الإسباني رباطة جأش تُحسب له، مواصلًا كلمته وكأن شيئًا لم يحدث، وكأنه يؤدي دورًا في عرض تجريبي عن العصور المظلمة.

وبينما كانت الأضواء مطفأة، سُمع أحد الحاضرين يهمس ساخرًا :  “حتى الناظور بدا وكأنه يتضامن مع إسبانيا في محنة انقطاع الكهرباء… لكن الفرق أن الكهرباء عادت إليهم، ولم تعد إلينا بعد ” !

وفي ركن آخر، دارت همسات حادة: “اللجنة منشغلة أكثر بنفخ الفواتير من نفخ روح التنظيم. وكأن الغاية من هذا المعرض ليست نشر الثقافة، بل تمرير ميزانية بواجهة أنيقة وعنوان جذاب: مصاريف تنوير العقول.”

وهكذا، يُسدل الستار عن تظاهرة يُفترض أنها تحتفي بالكتاب، فإذا بها تتحول إلى مسرح عبثي يتقن فن الإخفاق ويعيد إنتاج الرداءة بلمسة احترافية. لا صوت يعلو فوق صوت الفوضى، ولا ضوء يسطع أقوى من عتمة اللامبالاة. كل شيء محسوب بدقة: من انقطاع الكهرباء، إلى انقطاع الحس الثقافي، إلى حضور وجوه تُتقن الحضور فقط عند عدسات التصوير. أما الكتاب، فبقي وحيدًا في الزاوية، يتساءل – دون علامات استفهام – ما إن كان وجوده ضروريًا في عرض بلا نص، ولا جمهور، ولا معنى.

16/05/2025

Related Posts