في حلقة جديدة من مشهد سياسي يزداد عبثًا، خرج خوان خوسيه إمبرودا، حاكم مدينة مليلية المغربية المحتلة، بتصريحات أقل ما يقال عنها إنها تجسيد للغطرسة السياسية والتقزيم المتعمد لقضايا التعايش والديني ، فبدل أن يتصدّى للخطاب العنصري الصريح لحزب فوكس الذي طالب بهدم مسجد مانتيليتي، اختار الرجل أن يصوّب سهامه نحو حزب “التحالف من أجل مليلية” (CpM) لمجرد مطالبته بإطلاق طاولة حوار بين الأديان.
إمبرودا الشيخ العنصري ، الذي يبدو أن مفهوم “العيش المشترك” لا يروق له إلا إذا جاء من فوهة حزبه، اتهم CpM بأنه “يتغذى على تأجيج الخلافات الدينية”، وقال بتعالٍ مستفز : “هذا الحزب لا يعيش إلا على افتعال المواجهات، ومحاولة تهميش المسيحيين… لا علاقة له لا بالديمقراطية ولا بالمعارضة”.
تصريحات أقل ما توصف به أنها امتداد لذهنية استعمارية ترى في كل مبادرة للتقارب تهديدًا، وفي كل صوت مسلم مشبوهًا إلى أن يثبت ولاؤه لهيئة الحكم المحلية.
أما حزب ڤوكس، الذي لم يتورع عن التهديد بهدم مسجد قائم بدعوى “تشويهه للمنظر العام”، فقد نال من إمبرودا سخريةً خفيفة لا ترقى إلى مستوى الإدانة، وكأن الأمر لا يستحق أكثر من مزحة رياضية. قال: “ما قاله السيد تاسيندي مجرد هراء… لن يحكموا ولن يفوزوا… فليقولوا ما شاؤوا”،
مقارنة كاشفة، تختزل مدى استخفاف الرجل بما يمثله المسجد من قيمة روحية ورمزية لأكثر من نصف سكان المدينة الذين ينتمون إلى الديانة الإسلامية.
في المقابل، جاء رد حزب CpM أكثر رصانة ومسؤولية، بمطالبته بعقد ميثاق حقيقي للتعايش الثقافي والديني، ودعوته لوقف استخدام الدين كورقة انتخابية من قبل من وصفهم بـ”تجار الفتنة”. موقف يعكس وعيًا بخطورة المرحلة، وحرصًا على استقرار المدينة التي تُعرف تاريخيًا بتنوعها الإثني والديني.
حركة “التحالف الجديد”، المنبثقة عن انشقاق داخلي في CpM، لم تقف مكتوفة الأيدي، فوصفت تصريحات ڤوكس بأنها “استفزاز فج” لمجتمع يرفض أن يُعامل كضيف في مدينته. وسجلت رفضها القاطع لاستخدام “ذرائع جمالية” لهدم دور العبادة، معتبرة ذلك ضربًا صارخًا لحرية المعتقد واحتقارًا للمكون المسلم.
ومع احتدام الجدل، خرج المغاربةوالقاطنيين بالجيب المحتل والجالية المسلمة موحدة، مطالبة برد رسمي واضح من الحكومة المحلية يضع حدًا لخطابات الكراهية والانقسام. لكن، ويا للأسف، ظل إمبرودا محافظًا على نبرة البرود، كما لو أن الأمر لا يعنيه.
— فهل من المنطقي أن يواصل هذا الحاكم ممارسة التهكم السياسي بدل ممارسة دوره كرجل دولة؟
— وهل يُعقل أن يُختزل صوت المسلمين ومطالبهم في خطاب انتخابي متهكم؟
الزمن كشاف، ومليلية رغم القيود ستبقى مدينة للكرامة والمقاومة المغربية، لا ورقة في يد متعجرف فقد البوصلة.
16/05/2025