بقلم : د – نورالدين البركاني
تعد أقسام المستعجلات في المستشفيات العمومية حجر الزاوية في أي نظام صحي متكامل، إذ إنها الواجهة الأولى التي تستقبل المرضى في لحظات حرجة، وتشكل نقطة الفرز الأساسية للحالات المستعجلة والخطيرة التي قد تهدد حياة الإنسان. من خلالها يتم تقييم الوضع الصحي للمريض، واتخاذ القرار المناسب إما بتوجيهه إلى العناية المركزة، أو إلى التخصص المناسب، أو التعامل الفوري مع حالته.
ورغم الأهمية البالغة لهذه الأقسام، إلا أنها تعاني من خصاص كبير ومقلق في الموارد البشرية والتجهيزات الطبية الحديثة، وهو ما يجعل أداءها دون المستوى المطلوب، ويثقل كاهل العاملين بها، ويعرض حياة المرضى للخطر في بعض الأحيان.
في جميع أقسام المستعجلات بالمستشفيات العمومية بالمغرب، يتجلى هذا النقص في عدد الأطباء، الممرضين، المساعدين الصحيين، وفي غياب وحدات الاستقبال المجهزة بشكل لائق. لا يعقل أن يكلف طبيب واحد أو طبيبان فقط باستقبال عشرات الحالات الطارئة، ليلا ونهارا، بعضها يعاني من نزيف داخلي، أو سكتة قلبية، أو إصابة خطيرة تستدعي تدخلا عاجلا. هذا الضغط المستمر يولد الإرهاق، الأخطاء، وتراجع جودة الخدمات.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن تطوير المنظومة الصحية في المغرب دون التعامل مع طب المستعجلات كاختصاص مستقل قائم بذاته، يحتاج لتكوين متخصص، وأطر مؤهلة، وإدماج هذا التخصص ضمن التكوينات الجامعية والمعاهد العليا. كما أن تحسين المنظومة الصحية برمتها لن يتحقق إلا بتحسين خدمات المستعجلات، التي يجب أن تعد قاطرة الإصلاح وأولوية الأولويات في السياسات الصحية.
فأقسام المستعجلات هي القلب النابض والعمود الفقري لكل مستشفى، ومن خلالها يتم تصنيف الحالات وتحديد المسارات العلاجية. أي خلل في هذه الأقسام يربك العمل في باقي المصالح، ويطيل أمد الانتظار، ويفقد المواطن الثقة في المؤسسة الصحية.
من جانب آخر، فإن أي إنسان قد يجد نفسه في لحظة مفاجئة في وضع صحي حرج يهدد حياته أو حياة من حوله، وهو ما يبرز أهمية تعزيز الثقافة الصحية داخل المجتمع، ونشر معارف الإسعافات الأولية. فقد تكون دقائق معدودة فاصلة بين الحياة والموت، ويمكن لتدخل بسيط من أحد المواطنين أن ينقذ حياة إنسان.
لذلك، يجب على الدولة سن قوانين تلزم بتدريس الإسعافات الأولية في المدارس، الجامعات، والمؤسسات العامة والخاصة، وربطها ببرامج التكوين المهني والمستمر. فرفع الوعي المجتمعي بالصحة والسلامة يقلل الضغط على أقسام المستعجلات، ويسرع التدخلات الفعالة.
ومن أجل تأهيل هذه الأقسام الحيوية، نقترح ما يلي:
1- توظيف عدد كاف من الأطباء والممرضين المتخصصين في طب المستعجلات.
2- توفير تجهيزات طبية حديثة وفعالة، خاصة في ما يتعلق بأجهزة الإنعاش، والفرز، والأشعة المتنقلة.
3- تطوير نظام تدبير الحالات الطارئة، باعتماد نظام معلوماتي متكامل يضمن سرعة الاستجابة والتنسيق.
4- تكوين مستمر للأطر الطبية والتمريضية في التعامل مع مختلف الحالات الحرجة.
5- إنشاء وحدات متنقلة للطوارئ (SAMU) مرتبطة بالمستشفيات، لتقريب الخدمة من المواطنين.
6- تحسين ظروف استقبال المرضى داخل المستعجلات، من حيث الراحة، النظافة، واحترام الكرامة الإنسانية.
7- تخصيص ميزانية مستقلة لأقسام المستعجلات لضمان استمرارية الخدمات وتحسين جودتها.
8- تحفيز الأطر الصحية العاملة في هذه الأقسام بمنح خاصة وتشجيع مادي ومعنوي، نظرًا لصعوبة ظروف العمل.
ختاما ، إن إصلاح قطاع الصحة في المغرب يجب أن يبدأ من بوابته الأولى: المستعجلات. فبدون مستعجلات فعالة، منظمة ومجهزة، ستظل المنظومة الصحية تدور في حلقة مفرغة، وستبقى الثقة بين المواطن والمرفق الصحي ضعيفة وهشة.
18/05/2025