في قلب مؤسسات يُفترض أن تكون منارات للعلم والنزاهة، تتفجر فضيحة مدوية تهز أركان التعليم العالي بالمغرب، كاشفة وجها مظلما لفساد ممنهج جعل من الشهادات العليا سلعة تُباع وتشترى في سوق سوداء قذرة.
آخر فصول هذا المسلسل الصادم ما كشفته التحقيقات الجارية حول فضيحة “الماستر مقابل المال”، والتي أزاحت الستار عن شبكة خطيرة يقودها أستاذ جامعي بجامعة أكادير وسياسي معروف يسمى أحمد قليش … لكن ما خفي كان أعظم … فحسب المعطيات الأولية، لم يكن هذا الأستاذ إلا رأس جبل جليدي، إذ كشفت التحقيقات تورط أساتذة آخرين ، في ذات الشبكة ، من كلية سلوان بالناظور، وجامعة محمد الأول بوجدة، أبرزهم المدعو “دراريس محمد”، بشراكة مع أستاذة أخرى في كلية الحقوق بطنجة تسمى جميلة العماري ، اللذين أشرفا على منح الدكتوراه بأساليب مشبوهة لزوجة قليش المحامية “حسناء خشوش” ، في تنسيق مشبوه ومفضوح ، حيث أشرف المتهم الرئيسي قليش بدوره على ماستر زوجة دراريس ، ضمن خطة شيطانية للالتفاف على المراقبة الأكاديمية والعبث بقدسية البحث العلمي ، ليبقى السؤال مطروح عن مصير التقرير الأسود الذي أنجزته لجنة تفتيشية في 2022/2021 , بكلية سلوان، قبل أن ينم إقباره بوزارة التعليم العالي ، حيث بات من الضروري إحضار نتائج التحقيق المطمور ، والذي قد يكشف تورط أساتذة مع بارون التزوير في الماستر والدكتوراه قليش المعتقل .
الفضيحة لا تقف عند هذا الحد، فالمعطيات تفيد بأن السلطات حجزت مبلغاً خرافياً يُقدر بثمانية ملايير سنتيم في الحساب البنكي لزوجة قليش ، في مؤشر مرعب على حجم الأموال المتدفقة من بيع شهادات الماستر والدكتوراه، مقابل مبالغ وصلت إلى 30 مليون سنتيم لكل “مستفيد”… شبكة متكاملة الأركان، تضم أساتذة، وسطاء، وطلبة، ضمنهم “رضوان” بكلية سلوان-الناظور، الذي كسر جدار الصمت وسرب تفاصيل تقشعر لها الأبدان، عن أساتذة بذات الكلية ، سيتم نشرها لاحقا .
هذه الكارثة ليست حالة شاذة، بل تشير إلى سرطان متفشٍّ ينخر التعليم العالي في الخفاء، ويحوله من صرح للمعرفة إلى بؤرة للابتزاز والريع. فهل نحن أمام شبكة فساد عميقة تمتد إلى مسؤولين إداريين نافذين؟ كل المؤشرات تقول نعم، وتدق ناقوس خطر يتطلب تحركاً فورياً وحاسماً.
قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمراكش لم يتأخر، فأصدر يوم الثلاثاء 13 ماي 2025 قراراً بوضع الأستاذ قليش ، المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي بسجن الأوداية، وسط تحقيقات موسعة تقودها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، والتي استمعت لجميع الأطراف، وأحالتهم على الوكيل العام للملك الذي قرر بدوره تعميق البحث.
المفاجأة الأكبر أن الأستاذ المعتقل سبق وأن تورط في قضية تحرش بطالبات سنة 2010 بكلية آسفي، في واقعة وثقتها الصحافة حينها وانتهت بتوقيفه مؤقتاً… ليعود اليوم ويجد طريقه مجدداً إلى قلب فضيحة أخطر وأشد خطورة.
إنها لحظة فارقة في تاريخ التعليم العالي المغربي، لحظة لا تقبل المواربة أو التساهل. فالمحاسبة الحقيقية لم تبدأ بعد، لكن الرأي العام ينتظرها بشغف … لأن ما حدث ليس مجرد تجاوز أكاديمي، بل خيانة كبرى لثقة أمة بأكملها في مؤسساتها.