في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها السياسات الأوروبية بشأن قضايا الهجرة وأمن الحدود، حطّ ستة من أعضاء البرلمان الأوروبي عن الحزب الشعبي الأوروبي PPE الرحال بمدينة مليلية المحتلة، في زيارة وُصفت بالاستراتيجية، هدفها الوقوف على الوضع الحدودي ومخاطره على الأمن الجماعي الأوروبي.
ضم الوفد شخصيات سياسية وازنة، تتقدمهم دولورز مونتسيرات، الرئيسة السابقة للجنة الحريات المدنية بالبرلمان الأوروبي ووزيرة الصحة الإسبانية سابقًا، إلى جانب كل من: خافيير زارزالخوس، خوان إغناسيو زويدو، توماس توبيه، توماش زدخوفيسكي، ولينا دوبون.
وعند تمام الساعة العاشرة صباحًا، استُقبل الوفد وسط إجراءات أمنية مشددة، في مشهد عكس الطابع الجاد والميداني للزيارة، التي لم تكن استعراضية أو بروتوكولية، بل جاءت محمّلة برسائل واضحة إلى مدريد وبروكسيل بشأن مستقبل إدارة الحدود الجنوبية لأوروبا، لاسيما حدود المدينتين المحتلتين، سبتة ومليلية.
قالت مونتسيرات بنبرة حاسمة: “جئنا كممثلين لأكبر كتلة برلمانية في أوروبا لنؤكد أن سبتة ومليلية ليستا نقطتين منسيّتين على الخارطة، بل هما جزء لا يتجزأ من حدود الاتحاد الأوروبي وخط الدفاع الأول عن أمنه.”
ولم تُخفِ مونتسيرات امتعاضها من الحكومة الإسبانية، التي منعت الوفد من الالتقاء بعناصر الحرس المدني والشرطة الوطنية، معتبرة القرار انتهاكًا لحق ممثلي الشعوب الأوروبية في الاطلاع على الواقع الأمني ميدانيًا.
أما توماس توبيه، عضو البرلمان السويدي والمسؤول عن ملف الهجرة داخل الحزب، فقد دعا إلى تعزيز تدخل وكالة فرونتكس الأوروبية، قائلاً: “لو كنت وزير الداخلية الإسباني، لطلبت تدخل فرونتكس فورًا. فالمسألة لا تخص إسبانيا وحدها، بل هي قضية أوروبية بامتياز.”
وفي السياق ذاته، وجّه خافيير زارزالخوس انتقادًا لأداء الحكومة الإسبانية، معتبرًا أن “سوء الإدارة المؤسسية” يعرقل فاعلية التدخل الأمني، ومؤكدًا دعم الوفد الكامل للقوى الأمنية التي تشتغل في ظروف صعبة وإمكانيات محدودة.
الزيارة لم تقتصر على المعاينة الميدانية، بل شملت اجتماعات مع نقابات الشرطة والحرس المدني بفندق “مليلية بويرتو”، حيث طُرحت مطالب تتعلق بتحسين ظروف العمل وتوفير الوسائل التقنية، خاصة ما يتعلق بالمراقبة الحدودية ومكافحة شبكات الهجرة غير النظامية.
وفي قصر الجمعية المحلية، استقبل خوان خوسيه إمبرودا، رئيس المدينة، الوفد الأوروبي مؤكدًا: “هذه ليست زيارة رمزية، بل دليل على وعي أوروبي متزايد بدور مليلية المحوري في أمن القارة.”
أما لينا دوبونت، المتحدثة باسم لجنة الحريات المدنية، فقد أثنت على العمل “الاستثنائي” الذي تقوم به الأجهزة الأمنية، مؤكدة ضرورة إدماج سبتة ومليلية في السياسات الأوروبية لمكافحة الاتجار بالبشر، وتوسيع الاستثمار في التقنيات الحديثة كالرؤية الحرارية والطائرات المسيّرة.
لم تكن هذه الزيارة مجرد جولة استطلاعية، بل شكلت رسالة سياسية واضحة مفادها أن المدينة المحتلة أضحت ضمن الحسابات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي. وبالرغم من غياب المغرب الرسمي عن تفاصيل الزيارة، فإن دلالاتها تمسّه بشكل مباشر، خاصة في ظل موقفه الثابت من قضيتي سبتة ومليلية، كجزء لا يتجزأ من سيادته الوطنية.
وقد لخّصت مونتسيرات هذه الرسالة بقولها: “ما قصّرت فيه الحكومة الإسبانية، سنقوم به من داخل المؤسسات الأوروبية. هذا وعدنا.”
تأتي هذه الزيارة في ظرفية دقيقة، حيث تعكف أوروبا على مراجعة معمقة لسياسات الهجرة وحماية الحدود. وبينما تسعى مليلية لترسيخ مكانتها كرمز لأوروبا القوية والموحّدة، يظل الموقف المغربي واضحًا وثابتًا: لا تسوية لملف المدينتين إلا تحت مظلة السيادة الوطنية الكاملة، ومهما بلغت رسائل مثل هذه الزيارات من حدة، فلن تغيّب الحقائق التاريخية والجغرافية الراسخة.
23/05/2025