في مشهد سياسي ملتهب، خرج عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، مهاجماً الحكومة بحدة غير مسبوقة، كاشفاً ما وصفه بـ”التحلل الأخلاقي والمؤسساتي” في تدبير الشأن العام. بوانو، الذي لم يُخف نبرته الاتهامية، لم يتردد في وصف الحكومة بأنها “أداة لتكريس الريع وتدمير الثقة في الدولة”، في ندوة صحفية تحوّلت إلى محاكمة سياسية مفتوحة.
في قلب الاتهامات الثقيلة التي أطلقها، برزت صفقة الغاز الطبيعي المسال من تندرارة، والتي قال إنها منحت لشركة “إفريقيا غاز” في عقد طويل الأمد لا يخلو من رائحة الاحتكار، لتبيع الغاز المستخرج لمدة عشر سنوات دون أي منافسة حقيقية، وهو ما اعتبره “خيانة لمبدأ الشفافية ونسفاً لروح التنافس”.
لكن الغريب – كما أشار بوانو – أن الشركة ذاتها تُمنح لاحقاً صفقات أخرى ضخمة: تحلية مياه بقيمة 6.5 مليارات درهم، وتزويد المكتب الوطني للكهرباء بالفيول مقابل 2.44 مليار درهم. هل تحوّلت الدولة إلى مقاولة خاصة؟ يتساءل بوانو، قبل أن يُطلق القنبلة: “رئيس الحكومة نفسه متورط، مستغلاً موقعه لتعزيز مصالح شركاته”، تحت غطاء العروض التقنية الأفضل.
وفي قطاع الصحة، المشهد ليس أفضل. حديث عن إلغاء “غامض” لصفقات قانونية، يُمهّد الطريق لشركات مُفضلة، وسط صمت مطبق من المسؤولين. حتى صفقات الحراسة والنظافة، لم تسلم، حيث أُقصيت المقاولات الصغرى والمتوسطة، في ما بدا وكأنه تصفية ممنهجة لأدوارها الاجتماعية والاقتصادية.
أما الفضيحة التي فجّرت القاعة، فهي ما كشفه بوانو عن نواب برلمانيين، بينهم نائب واحد حصل على وصل استيراد 12 ألف رأس غنم في يوم واحد. هل تحوّل الدعم العمومي إلى غنيمة انتخابية؟ بوانو يجيب دون مواربة: “هذا عبث سياسي واقتصادي، وانهيار للأخلاق العامة”.
في قطاع الصيد البحري، لم يكن الهجوم أقل شراسة، إذ تحدث عن دعم مالي ضخم (11 مليون درهم) لعضو من حزب رئيس الحكومة، في وقت يُضغط فيه على العاملين في القطاع لدعم الحكومة سياسياً، ما وصفه بـ”ابتزاز انتخابي بغطاء اقتصادي”.
ليست هذه مجرد اتهامات معارضة، بل علامات على تصدع خطير في العلاقة بين السلطة والمجتمع. الأزمة، بحسب بوانو، لم تعد مالية أو اقتصادية فقط، بل أزمة ثقة شاملة، تتطلب تحقيقاً عاجلاً لا يكتفي بتبريرات بيروقراطية، بل يضع كل المسؤولين – دون استثناء – أمام المساءلة.
24/05/2025