في تطور يثير قلقًا متزايدًا، كشف التقرير السنوي للأمن القومي الإسباني لعام 2024 عن “ارتفاع ملموس في الشعور بانعدام الأمن” في منطقة كامبو دي جبل طارق، بسبب تصاعد عنف منظمات تهريب المخدرات التي باتت تلجأ إلى أساليب أكثر عدوانية لفرض سيطرتها على المعابر البحرية الجنوبية لإسبانيا.
ووفق التقرير، تحوّلت هذه المنطقة – التي تفصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وتشكل نقطة عبور استراتيجية بين أوروبا وإفريقيا – إلى مسرح لعمليات إجرامية منظمة وعابرة للحدود. كما لم يعد التهديد محصورًا في تهريب الممنوعات، بل تطوّر إلى تحدٍّ مباشر للسلطات، تجلّى في تزايد الاعتداءات على عناصر الأمن، وصولًا إلى مقتل عنصرين من الحرس المدني في بلدة بارباتي خلال فبراير الماضي.
في المقابل، حققت الأجهزة الأمنية الإسبانية إنجازات نوعية خلال السنة، أبرزها تفكيك شبكة دولية لتهريب المخدرات في 16 أبريل، خلال عملية مشتركة ضمّت الشرطة الوطنية، الحرس المدني، مصلحة الضرائب، والشرطة القضائية البرتغالية. وأسفرت العملية عن توقيف 19 شخصًا، إلى جانب حجز مبالغ مالية كبيرة، وعدد من السيارات الفارهة والقوارب السريعة.
كما شهد يوم 6 نوفمبر تنفيذ أكبر عملية في تاريخ إسبانيا، تم خلالها حجز 13 طنًا من الكوكايين في ميناء الجزيرة الخضراء، وكانت الشحنة قادمة من الإكوادور، ما يعكس تطوّر أساليب الشبكات الإجرامية واعتمادها على مسارات بحرية معقدة.
وأشار التقرير إلى اعتماد المهربين المتزايد على القوارب السريعة وأجهزة الملاحة الحديثة لعبور الأطلسي أو للقاء سفن أم في عرض البحر لتفريغ شحناتهم. كما تم اعتراض سفينة شبه غاطسة وتوقيف طاقمها، في مشهد يُقارب ما نشاهده في أفلام الجريمة المنظمة.
أما من حيث أنواع المخدرات، فقد ظل الكوكايين في صدارة المواد المهربة عبر الحاويات، خاصة في موانئ برشلونة، ڤالنسيا، الجزيرة الخضراء، وڤيغو. وقد لوحظ نوع من الاستقرار في الكميات خلال 2024 بعد سنوات من الارتفاع المتواصل.
وفي ما يتعلق بالحشيش والماريجوانا، لا تزال الطرق البحرية الوسيلة الأساسية لتهريبها، مع تسجيل تراجع طفيف في الكميات المضبوطة مقارنة بعام 2023، وهو ما يرجعه التقرير إلى فعالية الخطة الأمنية المفعّلة مؤخرًا في منطقة كامبو دي جبل طارق، والتي دفعت الشبكات إلى تغيير مساراتها.
من منظور مغربي، لا يمكن اختزال هذه التحديات في بعدها الإسباني فقط، إذ تُعد الضفة الجنوبية للمتوسط، خصوصًا شمال المغرب، جزءًا رئيسيًا من هذه المعادلة الأمنية. ما يستوجب تعزيز التعاون الثنائي بين الرباط ومدريد، وتكثيف تبادل المعلومات والتنسيق العملياتي الميداني.
إن الجريمة المنظمة لا تعترف بالحدود، والتصدي لها يقتضي رؤية إقليمية متكاملة تتجاوز التدخلات الظرفية. ويُعد هذا التقرير جرس إنذار للمنطقة بأسرها: حين تهتز كامبو دي جبل طارق، فإن أصداء ذلك تصل إلى كل من يجاور البحر المتوسط.
24/05/2025