في مشهد يُشبه أفلام الجريمة، اهتزّت الحدود الشمالية للمغرب على وقع اكتشاف مذهل: نفق سري يربط بين مدينة سبتة المحتلة والمغرب، استُخدم لسنوات في تهريب كميات ضخمة من المخدرات إلى قلب أوروبا. هذا الاكتشاف المثير الذي فجرته اعترافات خطيرة أمام المحكمة الوطنية الإسبانية، يفضح حجم التحديات الأمنية التي تعصف بهذه المنطقة الحساسة، ويكشف عن تواطؤ صادم في صفوف من يُفترض أنهم حماة القانون.
فقد أعلنت مصادر إسبانية أن النفق، الذي ظل طيّ الكتمان لأكثر من سنتين، استُخدم لنقل أطنان من الحشيش عبر طريق شيطاني يمتد من الفنيدق إلى سبتة، ثم عبر البحر إلى ميناء الجزيرة الخضراء، قبل أن تنطلق الشحنات في رحلتها الأوروبية. ما يُثير الدهشة أن هذا الممر الأرضي شُيّد بحرفية عالية جعلته يتفادى جميع آليات المراقبة التقليدية، في تحدٍّ صارخ للسلطات الحدودية.
بداية الخيط جاءت من عملية “هاديس”، حين قدّم أحد الموقوفين، تحت ضغط التحقيق، معلومات حساسة قلبت الموازين. ليس فقط عن مكان النفق، بل عن شبكة متشعبة تضم مهربين، وتجار رخام، وحتى عناصر فاسدة من الحرس المدني الإسباني، كانوا يُسربون معلومات عن نقاط التفتيش وتوقيتات المراقبة.
وعلى إثر هذه الإفادات، تحركت وحدات مختصة نحو المنطقة الصناعية بطراخال، حيث عثرت على مدخل النفق مخفيًا داخل ورشة رخام مهجورة. فتحة عمقها 12 مترًا تقود إلى ممر ضيق وطويل، بطول 50 مترًا، مزود بإنارة بدائية وتصريف للمياه، وكأننا أمام سرداب خفي من قصص المافيا، لا مجرد نفق عادي.
مؤشرات تقنية وأمنية أفادت بأن الجانب المغربي حاول تدمير نهاية النفق بإسقاط كتل إسمنتية بداخله، في محاولة يائسة لطمس الأدلة. لكن القدر تدخّل، حين كشف دخان حريق أعشاب قرب الفنيدق عن المخرج المغربي للنفق، الذي اتضح أنه لا يبعد كثيرًا عن منطقة عسكرية حساسة، مما ضاعف من خطورة الأمر.
المعطيات المتوفرة تشير إلى أن النفق استُعمل بكثافة بين منتصف 2022 ونهاية 2024، وشكّل العمود الفقري لعمليتين نوعيتين لتهريب الحشيش تم إحباطهما سنة 2023، قُدّرت كميات الحشيش فيهما بما يفوق 5 أطنان، بعائدات فلكية بلغت أكثر من 100 ألف يورو في كل عملية.
الأكثر إثارة أن الورشة التي بُني فيها النفق، تم تأجيرها باسم “رافائيل خيمينيث”، اسم يبدو عاديًا لكنه في الحقيقة شخصية غامضة ذات ماضٍ إجرامي ثقيل. الرجل الأربعيني الهارب، الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية منذ أبريل، يُعتبر العقل المدبر لهذه الشبكة. في منزله عُثر على مستندات تثبت ضلوعه الكامل في المشروع الإجرامي، فيما سقط شرطيان من الحرس المدني في قبضة العدالة، بعد الاشتباه في تورطهم المباشر بتسهيل عبور الشحنات.
وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة، شدّدت المحكمة الوطنية الإسبانية على خطورة هذه الشبكة التي لا تقف عند حدود سبتة والفنيدق، بل تمتد إلى عمق أوروبا، ما يستوجب تنسيقًا أمنيًا وقضائيًا غير مسبوق بين مدريد والرباط، لوقف زحف هذا الخطر الذي يُهدد استقرار المنطقة برمّتها.
25/05/2025