شهدت العاصمة الإسبانية مدريد، يوم الأحد 26 مايو 2025، تظاهرة مثيرة للجدل نظمها أنصار اليمين المتطرف تحت إشراف جمعية “نويوكليو ناسيونال”، وشارك فيها قرابة 500 شخص. وقد ارتدى المشاركون ملابس سوداء ولوّحوا بأعلام إسبانيا بدون شعارها الرسمي، مرددين هتافات تمجّد مؤسس الحزب الفلانخي، خوسيه أنطونيو بريمو دي ريفيرا.
رفع المتظاهرون شعارات تستهدف المهاجرين والمسلمين من بينها: “إسبانيا مسيحية وليست إسلامية”، “أخرجوا حاملي الأكياس إلى الحدود”، و”تحيا إسبانيا”، في مشهد أعاد إلى الأذهان ممارسات العصور المظلمة، حين كان اللون والعرق والدين معيارًا للمواطنة.
وتميّزت التظاهرة بمشاركة شبابية واسعة، حيث بلغ متوسط أعمار المشاركين نحو 18 عاماً، ما يطرح تساؤلات مقلقة حول الخطاب الذي يُبث في أوساط الشباب الإسباني، في ظل تراجع منسوب الوعي بالتاريخ والاستفادة من دروسه. وقد هتف العشرات منهم بشعارات قومية تدعو إلى الدفاع عن “الأمة الإسبانية”، كما لو أنها محاصرة في زمن الإمبراطوريات.
طالب منظمو المسيرة بترحيل كل من لا ينتمي لـ”العرق الأبيض” أو “الديانة المسيحية”، معتبرين أن الهجرة إلى أوروبا مؤامرة تهدف إلى تدمير الحضارة الغربية، وكأنما الهجرة لم تكن عبر العصور رافدًا للتنوع والإبداع الثقافي. وقد تم تقليص مسار المسيرة من “بويرتا ديل سول” إلى ساحة “خاثينتو بينافينتي”، بعدما رفضت السلطات السماح لهم بالوصول إلى حي “لافابييس” الذي وصفوه بـ”مزبلة التعدد الثقافي”، في تعبير يكشف عن نظرة دونية صادمة تجاه مكونات المجتمع الإسباني.
في المقابل، خرجت مظاهرة مضادة نظّمها نشطاء مناهضون للفاشية، رفعوا لافتات منددة بالعنصرية والفاشية، مؤكدين أن الشوارع لا يمكن أن تكون ملكًا لصوت الكراهية وحده. وقد تدخلت الشرطة لتفادي وقوع صدامات مباشرة بين الجانبين، دون تسجيل أعمال عنف كبيرة.
وهكذا، يبدو أن بعضهم ما زال يحنّ إلى زمن الأبيض والأسود… لا في الصور، بل في العقليات. أما “إسبانيا الحقيقية”، تلك التي تتنفس من شرايين التعدد، فربما كانت تراقب هذا العرض المسرحي بحيرة، تتساءل: هل هؤلاء بالفعل أبناء القرن الحادي والعشرين… أم مجرد أشباح لقرون لم تُدفن بعد؟
27/05/2025
