في مشهد لا يقل عن رواية بوليسية متشابكة الخيوط، أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي، ليهوي كالصاعقة على رؤوس من ظلوا يتغنون بالشفافية والنزاهة. لم يكن مجرد تقرير، بل مرآة مكسورة تعكس وجوهًا متخفية خلف أقنعة المسؤولية، وتكشف عن منظومة تُدار بمنطق “الغنيمة لا الوطن”.
دعم بملايين الدراهم لمؤسسات عاجزة… والنتيجة؟ صفر!
في الوقت الذي يئن فيه المواطن تحت وطأة الفقر، والبطالة، وغلاء لا يرحم، تواصل مؤسسات عمومية فاشلة ابتلاع المال العام بلا حسيب ولا رقيب. دعم يُمنح بسخاء، لكن بدون أثر يُذكر على أرض الواقع. غياب الرقابة، تغييب المساءلة، وصفقات مشبوهة تُبرم في الظل، وكأن المال العام ميراثٌ خاص يُوزَّع على المحظوظين.
الجماعات الترابية… بؤر للتسيب الإداري ونهب الميزانيات
فضيحة وراء فضيحة، والفاعل نفسه: إدارات محلية تحوّلت إلى محميات للعبث. مشاريع متوقفة، سندات مزورة، وموظفون أشباح يتقاضون أجورًا لا يستحقونها. المواطن؟ مجرد متفرج في مسرحية هزلية لا يُضحك فيها سوى “المستفيدين”.
الصحة والتعليم… نزيف بلا علاج، وانهيار بلا إصلاح
مستشفيات تُشبه الخرائب، ومدارس تنهار فوق رؤوس التلاميذ… التقرير يسطر بالخط العريض: لا رؤية، لا تخطيط، ولا كرامة للمواطن. قطاعان حيويان يُتركان ينزفان بينما تُهدَر الملايير في دهاليز الفساد.
الأحزاب السياسية… أموال الدولة تُنهب باسم الديمقراطية!
من كان يفترض فيه أن يُراقب، تورّط في التلاعب. ستة أحزاب لم تكلّف نفسها عناء تقديم حساباتها للمجلس الأعلى، في استهتار صارخ بالقانون. أما حزب “الأحرار”، فالتهم وحده مبلغًا خياليًا تجاوز 3.8 مليار درهم! أين صرفها؟ لا أحد يعرف.
حزب الاستقلال… التزام شكلي وغموض مالي مثير
على الورق كل شيء يبدو قانونيًا، لكن تحت السطح، تكشف الوثائق عن دعم غير مرجّع، تحويلات مالية بلا مستندات، وعقارات مشبوهة الملكية. والنتيجة؟ تهرب ببدلات رسمية، وتسويات تمتد حتى 2027!
واختفاء 24 مليون سنتيم… حزب العهد الديمقراطي في قلب العاصفة
الحزب الذي كان يرأسه الفتاحي النائب البرلماني عن دائرة الدريوش ، اختفى ومعه 24 مليونًا … وسط تبادل اتهامات يكشف حجم الانفلات الذي طال حتى بقايا الأحزاب المنحلة.
خلاصة المشهد؟
فساد مقنَّن، ومال عام يُنهب في وضح النهار، ومؤسسات تُدار بلا رقيب. إنه جرس إنذار، بل ناقوس خطر، بأن القاع لم يُلمس بعد، وأن المواطن البسيط هو من يدفع الثمن دائمًا… بالصبر، بالصمت، وبالدم أحيانًا.
27/05/2025