في واحدة من أخطر القضايا التي تهدد صورة العدالة في المغرب وتعيد فتح ملف الفساد القضائي والأمني، تم الإفراج بشكل مثير للجدل عن المسمى شوقي مرزاق، المتهم الرئيسي في قضية تهريب الذهب المحجوز بطريق سيدي يحيى ، والتي هزّت مدينة وجدة قبل أشهر بعد ضبط 5 غشخاص بحوزتهم أزيد من 33 كيلوغراماً من المعدن النفيس، إلى جانب مبالغ مالية ضخمة وسيارات وأسلحة بيضاء.
شوقي مرزاق، الذي ظهر اسمه مراراً في محاضر رسمية على لسان بعض المعتقلين على ذمة الملف ضمنهم شخص سبعيني و3 من أبنائه وزوجة إبنه ، كـ”العقل المدبّر” للشبكة، سلّم نفسه الأسبوع الماضي إلى الضابطة القضائية بوجدة، في ما بدا أنه خطوة قانونية تمهد لمحاكمته، خاصة بعد أن أكّد المتهم الجزائري “بندحو”، في محضر رسمي،والذي يتواجد في السجن ، أن شوقي هو قائد الشبكة، وصاحب الذهب المحجوز، والمشرف على التنسيق مع جهات جزائرية لتسهيل عمليات التهريب عبر الحدود.
لكن الصدمة الكبرى وقعت حين تم الاكتفاء بمحضر استنطاق شكلي ، بحسب مصادر مطلعة، تم خلاله تبرئة شوقي بشكل مبهم وسريع، بعد مواجهته ببندحو الذي تراجع بشكل مفاجئ عن أقواله السابقة، وهو ما فسّرته مصادر مطلعة بأنه تم بعد “التفاهم” مع شوقي مقابل صفقة مالية.
ووفق ما أكدته مصادر مسؤولة لجريدة “كواليس الريف”، فقد صرّح شوقي لمقربين منه عقب خروجه من المحكمة قبل أيام ، بأن “تسوية وضعيته” كلفته 300 مليون سنتيم، تم ضخها في شكل رشاوى وزّعت بين عناصر من المحكمة، وبعض عناصر الضابطة القضائية المشرفين على انجاز المحضر ، وأيضاً المشتبه الجزائري بندحو، الذي لعب دوراً محورياً في قلب الرواية الرسمية وتبرئة شوقي ، دون إخضاعه لتحقيق مفصل .
رغم خطورة هذه المعطيات، تم إطلاق سراح شوقي في نفس يوم مثوله أمام النيابة العامة، دون أي متابعة قضائية، ما فجّر موجة غضب داخل مختلف الأوساط ، التي تساءلت عن كيفية تبرئة شخص ورد اسمه صراحة في عدة محاضر، وتم ضبط الذهب موضوع التهريب داخل منزل مملوك له بطريق سيدي يحيى.
وأمام هذا العبث ، يطالب مراقبون من السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بوجدة، والذي يُعرف بنزاهته وصرامته، بإصدار أوامر فورية وصارمة بإعادة توقيف شوقي مرزاق، مع فتح تحقيق تفصيلي في علاقته بالملف، وأيضاً في ظروف إطلاق سراحه.
وتعود تفاصيل الملف إلى عملية أمنية واسعة قامت بها مصالح الشرطة القضائية بالتنسيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني قبل عدة أشهر، حيث تم تفكيك شبكة إجرامية عائلية تضم خمسة أفراد، أربعة منهم من عائلة واحدة، تتراوح أعمارهم بين 26 و68 سنة. العملية أسفرت عن حجز 87 قطعة من الذهب الخالص، بوزن إجمالي بلغ 33.13 كيلوغرام، إلى جانب مبالغ مالية مهمة بالدرهم واليورو، يُشتبه في كونها من عائدات التهريب.
كما تم خلال العملية حجز سيارتين، دراجة نارية، أسلحة بيضاء، وميزان إلكتروني يُستخدم في وزن الذهب، بعد مداهمات طالت ثلاثة منازل بوجدة. التحقيقات الأولية حينها كشفت عن شبكة معقدة ذات امتدادات جزائرية ودولية، يُشتبه أنها تنشط منذ سنوات في تهريب الذهب عبر الحدود وتبييض الأموال داخل المغرب.
اليوم، تعود القضية إلى الواجهة، لا بسبب تطورات جديدة على مستوى الشبكة، بل بسبب شبهات طمس الأدلة وتدخل المال الحرام في مسار العدالة، ما يجعل هذه القضية اختباراً حقيقياً لنزاهة القضاء المغربي، ويفتح الباب أمام مطالب بفتح تحقيق مستقل لكشف المتورطين، سواء من المتهمين أو من داخل الأجهزة المفترض بها حماية القانون.
هل تنجح العدالة في استعادة مصداقيتها وتوقيف “عرّاب الذهب” مجدداً ، والذي يطلق إشاعات تسوية ملف متابعته ب 300 مليون ؟ أم أن المال سيظل سيد الموقف في ملفات تهريب كبرى ؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الحقيقة.
27/05/2025