في تصريحات جديدة تنمّ عن تناقض سياسي وارتباك مؤسساتي واضح، طالبت فضيلة مختار، (مغربية) الناطقة باسم “الحكومة المحلية بمليلية المحتلة” ونائبة الأمين العام للتواصل في حزب الشعب الإسباني، حكومة مدريد بـ”الالتفات” إلى ما وصفته بـ”الطوابير اللا إنسانية” عند معبر بني أنصار، داعية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين ظروف عبور سكان المدينة المحتلة نحو المغرب.
وتأتي هذه التصريحات، التي أدلت بها في برنامج إذاعي إسباني (La Mañana de COPE)، في سياق متوتر مرتبط بعملية عبور المغاربة المقيمين بالخارج والساكنة المحلية عبر المعبر الحدودي الوهمي خلال فصل الصيف وقبيل عيد الأضحى، حيث يزداد الضغط على المعابر الحدودية نتيجة تدفق المسافرين.
تتحدث مختار عن “الحدود الأوروبية” في مدينة محتلة هي في الأصل أرض مغربية، متجاهلة في تصريحاتها السياق القانوني والسيادي للمغرب على مليلية المحتلة. وحديثها عن “حق حرية التنقل” يجب أن يُفهم ضمن إطار احتلالي غير شرعي لجزء من التراب الوطني المغربي، ما يُفرغ هذا الخطاب من أي مشروعية قانونية أو إنسانية.
وتصر مختار على اتهام الحكومة المركزية بـ”الخضوع لمصالح المغرب”، في وقت يدرك فيه الجميع أن تدبير الحدود يتم في إطار تنسيق ثنائي بين دولتين جارتين. والتلميح إلى أن المغرب هو من يفرض وضعًا غير متكافئ، يُعدّ شكلًا من أشكال تصدير الفشل المحلي في مليلية إلى الخارج، بدل الاعتراف بعجز الحكومة المحلية عن تدبير الضغط الموسمي في المعبر، رغم الميزانيات الضخمة والدعم اللوجستي الأوروبي.
وبينما تشتكي مختار من “الازدحام غير الإنساني”، تعترف في الآن ذاته بأن الحكومة المحلية لا تزال في مرحلة التفكير فقط في إنشاء مرافق للانتظار (ظلال، مقاعد، نوافير ماء)، ما يبرز غياب الرؤية الاستباقية والاعتماد المفرط على تحميل الرباط مسؤولية واقع داخلي معقّد.
وعلى الرغم من تأكيدها على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الرباط، فإن خطابها يفتقر إلى روح التعاون واحترام الطرف المغربي، بل استخدمت لغة تلميحية تتضمّن اتهامًا ضمنيًا بأن المغرب لا يراعي الجوانب الإنسانية، في حين يُظهر الواقع أن الرباط – وفي إطار عملية “مرحبا” السنوية – تضطلع بدور محوري في تنظيم العبور وتوفير الأمن والخدمات للمسافرين.
إن المغرب، الذي يتعامل بسيادة مسؤولة مع ملف سبتة ومليلية المحتلتين، ينظر إلى معبر بني أنصار باعتباره نقطة عبور استراتيجية تقتضي تنسيقًا ثنائيًا متكافئًا يراعي مصالح الطرفين ويضع كرامة المواطن في صلب أي اتفاق. أما التباكي على “الازدحام” دون طرح حلول جذرية لمعضلة الاحتلال، فليس إلا خطابًا ظرفيًا يسعى لتلميع صورة حكومة محلية غارقة في التناقضات، وتحاول تحميل المغرب مسؤولية أزمة هيكلية داخلية.
وفي النهاية، فإن أي حل دائم وإنساني لمشكلة المعابر الحدودية يمر أولًا عبر الاعتراف بالحقوق التاريخية والسيادية للمغرب، وثانيًا عبر تعاون متوازن يحترم كرامة الإنسان، لا من خلال خطاب مزدوج يتهرّب من المسؤولية ويستغل الجانب الإنساني لأغراض سياسية ضيقة.
28/05/2025