استقبلت مدينة مليلية المغربية المحتلة، أمس الأربعاء ، دفعة جديدة من جنود الاحتلال الإسباني العائدين من الأراضي العراقية، بعد مشاركتهم في العملية العسكرية المسماة A/I XXI، والتي تدخل في إطار المهام الخارجية التي تنخرط فيها القوات الإسبانية ضمن تحالفات دولية ذات طابع عسكري وأمني.
وقد حطّت الطائرة العسكرية التي كانت تقل الجنود في مطار مليلية العسكري (Aeródromo Militar de Melilla)، وسط أجواء وصفت بالمؤثرة، حيث كان في استقبالهم عدد من القيادات العسكرية، إلى جانب عائلاتهم الذين انتظروا لساعات للقاء أحبائهم بعد غياب دام نصف عام. وقد رددت بعض الجهات الرسمية الإسبانية عبارة: “¡Bienvenidos a casa!” – “مرحبًا بعودتكم إلى الوطن!” – في تعبير رمزي يُراد منه تطبيع الوجود العسكري الإسباني في المدينة المحتلة وتصويرها كجزء “طبيعي” من التراب الإسباني.
ورغم أن لحظة الاستقبال بدت إنسانية في ظاهرها، فإنها لم تخلُ من رسائل سياسية واضحة، أبرزها سعي السلطات الإسبانية إلى تأكيد حضورها العسكري المستمر في مليلية، عبر توظيف كل مناسبة – سواء كانت عسكرية أو اجتماعية – لترسيخ رمزية الاحتلال وتثبيت مشروعيته أمام الرأي العام المحلي والدولي.
الجنود العائدون شاركوا طيلة الأشهر الماضية في مهام تدخل عسكري خارجي في العراق، ضمن عمليات قالت عنها وزارة الدفاع الإسبانية إنها تهدف إلى “دعم الاستقرار والمساعدة الإنسانية”، في وقت لا تزال فيه إسبانيا تمارس احتلالها التاريخي لمناطق مغربية كـمليلية وسبتة وجزر الجعفرية، ضاربة عرض الحائط بمبادئ احترام وحدة التراب الوطني التي تدعو إليها في مناسبات أخرى.
عودة الجنود شكّلت مناسبة للعائلات لاستعادة الدفء الأسري المفقود، لكنها في الآن نفسه أعادت إلى الواجهة قضية السيادة المغربية على الثغور المحتلة، خاصة وأن العديد من الأصوات في الداخل المغربي تعتبر مثل هذه المشاهد العسكرية في مليلية استفزازًا سياسيًا وانتهاكًا واضحًا للسيادة الوطنية.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه الجيش الإسباني بعودة عناصره، تبقى مليلية رمزًا لقضية استعمارية مستمرة، ومسرحًا لمحاولات دائمة لفرض واقع لا يعترف به التاريخ، ولا تُقرّه الجغرافيا، ولا يقبله الوعي الوطني المغربي.